السبت، 21 مارس 2015

قصيدة "عيون المها "..رائعة الشاعرالعباسي :علي بن الجهم -أعدها للنشر: الطيب أديب







  قصيدة "عيون المها "..رائعة الشاعرالعباسي :علي بن الجهم


            أعدها للنشر: الطيب أديب

             ************************

هو أبو الحسن علي بن الجهم بن بدر القرشي السامي . ولد في نهاية القرن الثاني للهجرة . ويحكى عنه  أنه عاش في شبابه في بيئة صحراوية قاسية، وعلى الرغم من الشاعرية الفذة التي تتأجج في صدره، فقد أثرت فيه حياة البادية العربية بمكوناتها ومفرداتها التي أثرت في  طباعه واختياره ألفاظه، وعندما  ضاقت به الحال وذهب إلى الخليفةالعباسي المتوكل لينشده الشعر، دخل عليه وأنشده قائلا :

أنت كالكلب في حفظك للود
            و كالتيس في قراع الخطوبِ
انت كالدلو، لا عدمناك دلواً
         من كبار الدلا، كبيرَ الذنوبِ

وهنا   أجمع الحضور على ضربه ولكن قال لهم المتوكل: أتركوه..!
لقد عرف المتوكل قوة على بن الجهم الشعرية  ومقصده من أبياته التي اكتسبها من بيئته ، لذلك أصدر المتوكل أمرا  كسب منه على بن الجهم بيتا في بستان قريب من الرصافة وهي مدينة عند جسر بغداد،غنية بحدائقها الخضراء اليانعة.
وبعد فترة وجيزة تأقلم علي بن الجهم على ذلك المكان فدعاه المتوكل وجمع الناس وقال لابن  الجهم أنشدنا شعرا. فأنشدهم قصيدة تعد أروع ما قاله، حتى قال عنها الشعراء، لو لم يكن لديه إلا هي تكفيه أن يكون أشعر الناس.وهي قصيدة من أرق الشعر و أعذبه والتي  يقول مطلعها:

  عيون المها بين الرصافة و الجسر..جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري


وعندما انتهى من  قصيدته أصيب الجميع بالدهشة، فسكت الخليفة المتوكل وكأنه خائف على علي بن الجهم.
 وبعد مدة  وجيزة  يستدعيه الخليفة فينشده الشاعر قصيدة جديدة..!
ويصيح المتوكل: "انظروا كيف تغيرت به الحال، والله خشيت عليه أن يذوب رقة و لطافة" .
و قصيدته هذه " عيون المها" تعد من أروع أشعار الحب عند العرب وفيها يقول :

عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
           جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
            سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
            تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ
وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما
             تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري
فَلا بَذلَ إِلّا ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ
           وَلا وَصلَ إِلّا بِالخَيالِ الَّذي يَسري
أحينَ أزحنَ القَلبَ عَن مُستَقَرِّهِ
               وَأَلهَبنَ ما بَينَ الجَوانِحِ وَالصَدرِ
صددنَ صدودَ الشاربِ الخمر عندما
            روى نفسَهُ عن شربها خيفةَ السكرِ
ألا قَبلَ أَن يَبدو المَشيبُ بَدَأنَني
                   بِيَأسٍ مُبينٍ أَو جَنَحنَ إِلى الغَدرِ
فَإِن حُلنَ أَو أَنكَرنَ عَهداً عَهِدنَهُ
                    فَغَيرُ بَديعٍ لِلغَواني وَلا نُكرِ
وَلكِنَّهُ أَودى الشَبابُ وَإِنَّما
                   تُصادُ المَها بَينَ الشَبيبَةِ وَالوَفرِ
كَفى بِالهَوى شُغلاً وَبِالشَيبِ زاجِراً
                      لَوَ اَنَّ الهَوى مِمّا يُنَهنَهُ بِالزَجرِ
أَما وَمَشيبٍ راعَهُنَّ لَرُبَّما
                   غَمَزنَ بَناناً بَينَ سَحرٍ إِلى نَحرِ
وَبِتنا عَلى رَغمِ الوُشاةِ كَأَنَّنا
             خَليطانِ مِن ماءِ الغَمامَةِ وَالخَمرِ
خَليلَيَّ ما أَحلى الهَوى وَأَمَرَّهُ
                 وَأَعلَمَني بِالحُلوِ مِنهُ وَبِالمُرِّ
بِما بَينَنا مِن حُرمَةٍ هَل رَأَيتُما
                   أَرَقَّ مِنَ الشَكوى وَأَقسى مِنَ الهَجرِ
وَأَفضَحَ مِن عَينِ المُحِبِّ لِسِرِّهِ
              وَلا سِيَّما إِن أَطلَقَت عَبرَةً تَجري
وَما أَنسَ مِ الأَشياءِ لا أَنسَ قَولَها
                      لِجارَتِها ما أَولَعَ الحُبَّ بِالحُرِّ
فَقالَت لَها الأُخرى فَما لِصَديقِنا
                مُعَنّىً وَهَل في قَتلِهِ لَكِ مِن عُذرِ
عِديهِ لَعَلَّ الوَصلَ يُحييهِ وَاِعلَمي
      بِأَنَّ أَسيرَ الحُبِّ في أَعظَمِ الأَمرِ
فَقالَت أَداري الناسَ عَنهُ وَقَلَّما
                   يَطيبُ الهَوى إِلّا لِمُنهَتِكِ السِترِ
وَأَيقَنَتا أَن قَد سَمِعتُ فَقالَتا
                   مَنِ الطارِقُ المُصغي إِلَينا وَما نَدري
فَقُلتُ فَتىً إِن شِئتُما كَتَمَ الهَوى
                   وَإِلّا فَخَلّاعُ الأَعنَّةِ وَالعُذرِ
عَلى أَنَّهُ يَشكو ظَلوماً وَبُخلَها
                   عَلَيهِ بِتَسليمِ البَشاشَةِ وَالبِشرِ
فَقالَت هُجينا قُلتُ قَد كانَ بَعضُ ما
               ذَكَرتِ لَعَلَّ الشَرَّ يُدفَعُ بِالشَرِّ
فَقالَت كَأَنّي بِالقَوافي سَوائِراً
               يَرِدنَ بِنا مِصراً وَيَصدُرنَ عَن مِصرِ
فَقُلتُ أَسَأتِ الظَنَّ بي لَستُ شاعِراً
                  وَإِن كانَ أَحياناً يَجيشُ بِهِ صَدري
صِلي وَاِسأَلي مَن شِئتِ يُخبِركِ أَنَّني
              عَلى كُلِّ حالٍ نِعمَ مُستَودَعُ السِرِّ
وَما أَنا مِمَّن سارَ بِالشِعرِ ذِكرُهُ
              وَلكِنَّ أَشعاري يُسَيِّرُها ذِكري
وَما الشِعرُ مِمّا أَستَظِلُّ بِظِلِّهِ
               وَلا زادَني قَدراً وَلا حَطَّ مِن قَدري
وَلِلشِّعرِ أَتباعٌ كَثيرٌ وَلَم أَكُن
              لَهُ تابِعاً في حالِ عُسرٍ وَلا يُسرِ
وَما كُلُّ مَن قادَ الجِيادَ يَسوسُها
                  وَلا كُلُّ مَن أَجرى يُقالُ لَهُ مُجري
وَلكِنَّ إِحسانَ الخَليفَةِ جَعفَرٍ
           دَعاني إِلى ما قُلتُ فيهِ مِنَ الشِعرِ
فَسارَ مَسيرَ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ
                وَهَبَّ هُبوبَ الريحِ في البَرِّ وَالبَحرِ
وَلَو جَلَّ عَن شُكرِ الصَنيعَةِ مُنعِمٌ
                   لَجَلَّ أَميرُ المُؤمِنينَ عَنِ الشُكرِ
فَتىً تَسعَدُ الأَبصارُ في حُرِّ وَجهِهِ
                 كَما تَسعَدُ الأَيدي بِنائِلِهِ الغَمرِ
 بِهِ سَلِمَ الإِسلامُ مِن كُلِّ مُلحِدٍ

                   وَحَلَّ بِأَهلِ الزَيغِ قاصِمَةُ الظَهرِ
إِمامُ هُدىً جَلّى عَنِ الدينِ بَعدَما
                    تَعادَت عَلى أَشياعِهِ شِيَعُ الكُفرِ
وَفَرَّقَ شَملَ المالِ جودُ يَمينِهِ
                     عَلى أَنَّهُ أَبقى لَهُ أَحسَنَ الذِكرِ
إِذا ما أَجالَ الرَأيَ أَدرَكَ فِكرُهُ
                     غَرائِبَ لَم تَخطُر بِبالٍ وَلا فِكرِ
وَلا يَجمَعُ الأَموالَ إِلّا لِبَذلِها
              كَما لا يُساقُ الهَديُ إِلّا إِلى النَحرِ
وَما غايَةُ المُثني عَلَيهِ لَو أَنَّهُ
     زُهَيرٌ وَأَعشى وَاِمرُؤُ القَيسِ من حُجرِ
إِذا نَحنُ شَبَّهناهُ بِالبَدرِ طالِعاً
             وَبِالشَمسِ قالوا حُقَّ لِلشَمسِ وَالبَدرِ
وَمَن قالَ إِنَّ البَحرَ وَالقَطرَ أَشبَها
                  نَداهُ فَقَد أَثنى عَلى البَحرِ وَالقَطرِ
وَلَو قُرِنَت بِالبَحرِ سَبعَةُ أَبحُرٍ
               لَما بَلَغَت جَدوى أَنامِلِهِ العَشرِ
وَإِن ذُكِرَ المَجدُ القَديمُ فَإِنَّما
               يَقُصُّ عَلَينا ما تَنَزَّلَ في الزُبرِ
فإن كان أمسى جعفرٌ متوكِّلاً
            على الله في سرِّ الأمورِ وفي الجهرِ
وولَّى عهودَ المسلمين ثلاثةً
                  يُحَيَّونَ بالتأييد والعزِّ والنصرِ
أَغَيرَ كِتابِ اللَهِ تَبغونَ شاهِداً
              لَكُم يا بَني العَبّاسِ بِالمَجدِ وَالفَخرِ
كَفاكُم بِأَنَّ اللَهَ فَوَّضَ أَمرَهُ إِلَيكُم
                  وَأَوحى أَن أَطيعوا أولي الأَمرِ
وَلَم يَسأَلِ الناسَ النَبِيُّ مُحَمَّدٌ
           سِوى وُدِّ ذي القُربى القَريبَةِ مِن أَجرِ
وَلَن يُقبَلَ الإيمانُ إِلّا بِحُبِّكُم
           وَهَل يَقبَلُ اللَهُ الصَلاةَ بِلا طُهرِ
وَمَن كانَ مَجهولَ المَكانِ فَإِنَّما
                    مَنازِلُكُم بَينَ الحَجونِ إِلى الحِجرِ
وَما زالَ بَيتُ اللَهِ بَينَ بُيوتِكُم
                        تَذُبّونَ عَنهُ بِالمُهَنَّدَةِ البُترِ
أَبو نَضلَةٍ عَمرو العُلى وَهوَ هاشِمٌ
       أَبوكُم وَهَل في الناسِ أَشرَفُ مِن عَمرو
وَساقي الحَجيجِ شَيبَةُ الحَمدِ بَعدَهُ
           أَبو الحارِثِ المُبقي لَكُم غايَةَ الفَخرِ
سَقَيتُم وَأَسقَيتُم وَما زالَ فَضلُكُم
   عَلى غَيرِكُم فَضلَ الوَفاءِ عَلى الغَدرِ
وُجوهُ بَني العَبّاسِ لِلمُلكِ زينَةٌ
           كَما زينَةُ الأَفلاكِ بِالأَنجُمِ الزُهرِ
وَلا يَستَهِلُّ المُلكُ إِلّا بِأَهلِهِ
            وَلا تَرجَعُ الأَيّامُ إِلّا إِلى الشَهرِ
وَما ظهر الإسلامُ إِلّا وجاركم
          بني هاشمٍ بين المجرَّةِ والنسرِ
فَحَيّوا بَني العَبّاسِ مِنّي تَحِيَّةً
             تَسيرُ عَلى الأَيّامِ طَيِّبَةَ النَشرِ
إِذا أُنشدَت زادت وليَّكَ غبطةً
          وكانت لأهل الزيغ قاصمةَ الظهرِ

=================


من كتابي : (أروع أشعار الحب العذري)-صدر عن دار المعرفة –القاهرة 2012م.

"لا تعذليه".. قصيدة غزلية أبكت الفقراء والأمراء - للشاعر "ابن زريق البغدادي"- أعدها للنشر: الطيب أديب











     "لا تعذليه".. قصيدة غزلية أبكت الفقراء والأمراء -

         للشاعر "ابن زريق البغدادي "

 

             أعدها للنشر: الطيب أديب

 

                **********************

عاش "أبو الحسن علي بن زريق الكاتب البغدادي" في العراق ، ولقب بـ "ابن زريق" ، وهو شاعر مرهف الحس، قرر السفرمن بغداد إلى الأندلس طلبا للرزق فتشبثت به زوجته التي تعشقه لتنمعه خوفا عليه من المخاطر، إلا أنه أصر على السفر تاركا زوجته وأولاده متحملا المخاطر والهجر ،و لم يحفظ من أشعار ابن زريق إلا هذه القصيدة "اليتيمة" ( لا تعذليه ) وقد وجدت معــــه عند وفاته سنة أربعمائة وعشرين من الهجرة  ، و فيها يخاطب زوجته ، ويؤكد لها حبه حتى الرمق الأخير من حياته ، وقد عبر فيها تعبيرا صادقا عن تجربته مع الغربة والرحيل ، من أجل الرزق ومعاناته وندمه لعدم استماعه لزوجته التي نصحته ولم يستمع إليها ، فظل في غربته حيث لا أنيـــس ولا رفيـق ولا معين . ويحكى أن الأمير " أبو عبد الرحمن " أميرقرطبة ،بكى حتى ابتلت لحيته بعد أن قرأ القصيدة ، وكذلك أبكت الفقراء على مر العصور .ولاتزال تجربة ابن زريق تتكرر مع طالبي الرزق في بلاد العرب الذين يلاقون الأهوال من أجل الهرب من أوضاعهم المعيشية الصعبة متحملين المخاطر واللوعة والهجر في الغربة ، ولكن الذي لايتكرر هو تعبير ابن زريق عن هذه المعاناة في قصيدته الرائعة التي قال فيها :

                             " لاتعــذليـــه"

لا تَعذَلِـيـه فَــإِنَّ الـعَـذلَ يُولِـعُـهُ... قَـد قَلـتِ حَقـاً وَلَكِـن لَيـسَ يَسمَعُـهُ
جـاوَزتِ فِـي لَومـهُ حَـداً أَضَـرَّبِـهِ... مِـن حَيـثَ قَـدرتِ أَنَّ اللَـومَ يَنفَعُـهُ
فَاستَعمِلِـي الرِفـق فِـي تَأِنِيبِـهِ بَـدَلاً... مِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنـى القَلـبِ مُوجعُـهُ
قَـد كـانَ مُضطَلَعـاً بِالخَطـبِ يَحمِلُـهُ... فَضُيَّقَـت بِخُطُـوبِ المَهـرِ أَضلُـعُـهُ
يَكفِيـهِ مِـن لَوعَـةِ التَشتِيـتِ أَنَّ لَــهُ... مِـنَ النَـوى كُـلَّ يَـومٍ مـا يُروعُـهُ
مـا آبَ مِــن سَـفَـرٍ إِلّا وَأَزعَـجَـهُ... رَأيُ إِلـى سَـفَـرٍ بِالـعَـزمِ يَزمَـعُـهُ
كَأَنَّمـا هُـوَ فِــي حِــلِّ وَمُرتـحـلٍ... مُـوَكَّـلٍ بِفَـضـاءِ الـلَـهِ يَـذرَعُـهُ
إِنَّ الزَمـانَ أَراهُ فـي الرَحِيـلِ غِـنـىً... وَلَو إِلى السَـدّ أَضحـى وَهُـوَ يُزمَعُـهُ
تـأبـى المطـامـعُ إلا أن تُجَـشّـمـه... للـرزق كـداً وكـم مـمـن يـودعُـهُ
وَمـا مُجـاهَـدَةُ الإِنـسـانِ تَوصِـلُـهُ... رزقَـاً وَلادَعَــةُ الإِنـسـانِ تَقطَـعُـهُ
قَـد وَزَّع اللَـهُ بَيـنَ الخَلـقِ رزقَهُـمُ... لَـم يَخلُـق اللَـهُ مِـن خَلـقٍ يُضَيِّعُـهُ
لَكِنَّهُـم كُلِّفُـوا حِرصـاً فلَسـتَ تَـرى... مُستَرزِقـاً وَسِـوى الغـايـاتِ تُقنُـعُـهُ
وَالحِرصُ في الرِزاقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت... بَغِـيُ أَلّا إِنَّ بَغـيَ المَـرءِ يَصـرَعُـهُ
وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِـن حَيـثُ يَمنَعُـه... إِرثـاً وَيَمنَعُـهُ مِـن حَيـثِ يُطمِـعُـهُ
اِستَودِعُ اللَـهَ فِـي بَغـدادَ لِـي قَمَـراً... بِالكَـرخِ مِـن فَلَـكِ الأَزرارَ مَطلَـعُـهُ
وَدَّعـتُـهُ وَبــوُدّي لَــو يُوَدِّعُـنِـي... صَفـوَ الحَـيـاةِ وَأَنّــي لا أَودعُــهُ
وَكَم تَشبَّثَ بـي يَـومَ الرَحيـلِ ضُحَـىً... وَأَدمُـعِـي مُسـتَـهِـلّاتٍ وَأَدمُـعُــهُ
لا أَكُذب اللَهَ ثـوبُ الصَبـرِ مُنخَـرقٌ... عَـنّـي بِفُرقَـتِـهِ لَـكِـن أَرَقِّـعُــهُ
إِنّـي أَوَسِّـعُ عُـذري فِــي جَنايَـتِـهِ... بِالبيـنِ عِنـهُ وَجُـرمـي لا يُوَسِّـعُـهُ
رُزِقـتُ مُلكـاً فَلَـم أَحسِـن سِياسَـتَـهُ... وَكُـلُّ مَـن لا يُسُـوسُ المُلـكَ يَخلَعُـهُ
وَمَـن غَـدا لابِسـاً ثَـوبَ النَعِيـم بِـلا شَكـرٍ... عَلَيـهِ فَــإِنَّ الـلَـهَ يَنـزَعُـهُ
اِعتَضتُ مِن وَجـهِ خِلّـي بَعـدَ فُرقَتِـهِ... كَأسـاً أَجَـرَّعُ مِنهـا مــا أَجَـرَّعُـهُ
كَم قائِـلٍ لِـي ذُقـتُ البَيـنَ قُلـتُ لَـهُ... الذَنـبُ وَاللَـهِ ذَنبـي لَسـتُ أَدفَـعُـهُ
أَلا أَقمـتَ فَـكـانَ الـرُشـدُ أَجمَـعُـهُ... لَـو أَنَّنِـي يَـومَ بـانَ الرُشـدُ اتبَـعُـهُ
إِنّــي لَأَقـطَـعُ أيّـامِـي وَأنفِـذها... بِحَسـرَةٍ مِنـهُ فِـي قَلـبِـي تُقَطِّـعُـهُ
بِمَـن إِذا هَجَـعَ الـنُـوّامُ بِــتُّ لَــهُ... بِلَوعَـةٍ مِنـهُ لَيلـى لَـسـتُ أَهجَـعُـهُ
لا يَطمِئـنُّ لِجَنبـي مَضـجَـعُ وَكَــذا... لا يَطمَئِـنُّ لَـهُ مُـذ بِنـتُ مَضجَـعُـهُ
ما كنت أحسب أن الدهر يفجعني بـــه... ولا أن بــي الأيــام تفجـعــه
حَتّـى جَـرى البَيـنُ فِيمـا بَينَنـا بِيَـدٍ... عَسـراءَ تَمنَعُنِـي حَـظّـي وَتَمنَـعُـهُ
فِي ذِمَّـةِ اللَـهِ مِـن أَصبَحَـت مَنزلَـهُ... وَجـادَ غَيـثٌ عَلـى مَغنـاكَ يُمرِعُـهُ
مَـن عِنـدَهُ لِـي عَـهـدُ لا يُضيّـعُـهُ... كَمـا لَـهُ عَهـدُ صِـداقٍ لا أُضَيِّـعُـهُ
وَمَـن يُـصَـدِّعُ قَلـبـي ذِكــرَهُ وَإِذا... جَـرى عَلـى قَلبِـهِ ذِكـري يُصَدِّعُـهُ
لَأَصـبِـرَنَّ لِـدهرٍ لا يُمَتِّـعُـنِـي بِـهِ... وَلا بِـيَ فِــي حــالٍ يُمَتِّـعُـهُ
عِلماً بِـأَنَّ اِصطِبـاري مُعقِـبُ فَرَجـاً... فَأَضيَـقُ الأَمـرِ إِن فَكَّـرتَ أَوسَـعُـهُ
عَسى اللَيالـي الَّتـي أَضنَـت بِفُرقَتَنـا... جِسمـي سَتَجمَعُنِـي يَومـاً وَتَجمَـعُـهُ
وَإِن تُـغِـلُّ أَحَــدَاً مِـنّـا مَنـيَّـتَـهُ... فَمـا الَّـذي بِقَضـاءِ الـلَـهِ يَصنَـعُـهُ
_______________________

من كتابي (أروع أشعار الحب العذري)- صدر عن دار المعرفة للنشر -القاهرة2012م.