الأحد، 12 أبريل 2015

الدكتور "جمال حمدان" مؤسس مدرسة متفردة في التفكير الاستراتيجي..!




الدكتور "جمال حمدان" مؤسس مدرسة متفردة في التفكير الاستراتيجي..!


***************

العبقري د. جمال حمدان واستشراف المستقبل:
 ===================
أخلص  دكتور جمال حمدان  لعلم الجغرافيا ، و شكل بمفرده مدرسة راقية في التفكير الاستراتيجي المنظم ، مزج فيها بطريقة غير مسبوقة ما بين علم الجغرافيا، الذي لا يتعدى مفهومه لدى البعض نطاق الموقع والتضاريس ، وعلوم التاريخ والاقتصاد والسياسة، ليخرج لنا مكون جديد اسماه " جغرافيا الحياة " . وأوضح حمدان في مقدمة كتابه الموسوعي " شخصية مصر " ، المقصود بتلك الجغرافيا موضحا أنها : "علم بمادتها، وفن بمعالجتها، وفلسفة بنظراتها.. وهذا الرؤية ثلاثية الأبعاد في التعاطي مع الظاهرة الجغرافية تنقل عالم الجغرافيا من مرحلة المعرفة إلى مرحلة التفكير، ومن جغرافية الحقائق المرصوصة إلى جغرافية الأفكار الرفيعة.
  وامتلك العبقري دكتور جمال حمدان قدرة ثاقبة على استشراف المستقبل متسلحا في ذلك بفهم عميق لحقائق التاريخ ووعي متميز بوقائع الحاضر :
1- في عقد الستينيات ، وبينما كان الاتحاد السوفيتي في أوج مجده ، والزحف الشيوعي الأحمر يثبت أقدامها شمالا وجنوبا ، أدرك جمال حمدان ببصيرته الثاقبة أن تفكك الكتلة الشرقية واقع لا محالة، وكان ذلك في 1968م، فإذا الذي تنبأ به يتحقق بعد إحدى وعشرين سنة، وبالتحديد في عام 1989 ، حيث وقع الزلزال الذي هز أركان أوروبا الشرقية، وانتهى الأمر بانهيار أحجار الكتلة الشرقية، وتباعد دولها الأوروبية عن الاتحاد السوفيتي، ثم تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه عام 1991م .

2-وفي كتابه " صفحات من أوراقه الخاصة" ، نجد حالة نادرة من نفاذ البصيرة والقدرة الإستراتيجية على المستقبل ، ففي الوقت الذي رأى البعض في إقرار قمة بروكسيل ( 13 ، 14 ديسمبر 2003) تشكيل قوة عسكرية أوروبية منفصلة عن حلف الأطلسى بداية لانهيار التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، نجد ان جمال حمدان قد تنبأ بهذا الانفصال منذ نحو 15 عاما ، مشيرا إلى انه " بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وزواله، بدأ البحث عن عدو جديد، قيل‏:‏ إنه الإسلام، نؤكد أن الإسلام خارج المعركة والحلبة، هو فقط كبش فداء مؤقت، أما العدو الحقيقي الفعال فسيظهر من بين صفوف المعسكر المنتصر بالغرب، وسيكون الصراع الرهيب بين أمريكا وأوربا الغربية أو اليابان " . ويضيف في موضع آخر من الكتاب " ‏" ‏لقد بدأت الحـرب البـاردة بالفعل بين شـاطئ الأطلسي، بين أوروبا وأمريكا، لقد انتقلت الحرب الباردة من الشرق - الغرب، أو الشيوعية- الرأسمالية، إلى داخل الغرب نفسه ، وداخل الرأسماليين القدامى خاصة بين فرنسا وألمانيا في جبهة ، بريطانيا وأمريكا في الجبهة المضادة .
3- ، توقع د.جمال حمدان سعي الغرب لخلق صراع مزعوم بين الحضارات من أجل حشد أكبر عدد من الحلفاء ضد العالم الإسلامي، حيث أكد انه " ‏بعد سقوط الشيوعية وزوال الاتحاد السوفيتي، أصبح العالم الإسلامي هو المرشح الجديد كعدو الغرب الجديد‏.‏ وإلى هنا لا جديد‏.‏ الجديد هو أن الغرب سوف يستدرج خلفاء الإلحاد والشيوعية إلى صفه ليكوّن جبهة مشتركة ضد العالم الإسلامي والإسلام، باعتبارهم العدو المشترك للاثنين، بل لن يجد الغرب مشقة في هذا، ولن يحتاج الأمر إلى استدراج‏:‏" سيأتي الشرق الشيوعي القديم ليلقي بنفسه في معسكر الغرب الموحد ضد الإسلام والعالم الإسلامي‏"، وهو ما تحقق بالفعل ، حيث وضع" صموئيل هنتنجون" في كتابه " صدام الحضارات " الخطوط الفكرية العريضة لهذا الحلف ، فيما يخوض المحافظون الجدد في البيت الأبيض غمار معاركه الفعلية ، في إطار ما بات يعرف بالحرب على الإرهاب، والتي لا تخرج عن كونها ستارا لحرب شاملة على الإسلام .

4-من الرؤى المستقبلية التي طرحها جمال حمدان ، وتبدو في طريقها إلى التحقيق ، تلك النبوءة الخاصة بانهيار الولايات المتحدة، حيث كتب حمدان في بداية التسعينات يقول: "‏أصبح من الواضح تمامًا أن العالم كله وأمريكا يتـبادلان الحقد والكراهيـة علنًا، والعالم الذي لا يخفي كـرهه لها ينتظر بفارغ الصبر لحظة الشماتة العظمى فيها حين تسقط وتتدحرج، وعندئذ ستتصرف أمريكـا ضد العالم كالحيوان الكاسر الجريح ‏"‏ ، ومضى مضيفا" ‏"‏لقد صار بين أمريكا والعالم ‏"‏تار بايت‏"‏ أمريكا الآن في حـالة ‏"‏سعار قوة‏"‏ سعار سياسي مجنون، شبه جنون القوة، وجنون العظمة، وقد تسجل مزيدًا من الانتصارات العسكرية، في مناطق مختلفة من العالم عبر السنوات القادمة، ولكن هذا السعار سيكون مقتلها في النهاية‏ " .

5-ومن رؤى د.جمال حمدان المستقبلية في أوراقه  ، تلك المتعلقة ‏بعودة الإسلام ليقود من جديد‏ ، حيث يقول ‏"‏يبدو لي أن عودة الإسلام أصبحت حقيقة واقعة في أكثر من مكان ، عودة الإسلام حقيقة ودالة جدًا تحت ناظرينا‏"‏ ، ويلفت إلى انه " في الوقت نفسه يبدو أن ديناميات الإسلام تختلف تمامًا ،‏ فقديمًا كان الإسلام يتقلص في تراجع نحو الجنوب في جبهته الأوربية وجنوب جبـهته الإفريقية، الآن هناك عودة الإسلام في أوروبا خاصة في طرفيها أسبانيا وآسيا الوسطى ، إضافة إلى هجرة المسلمين إلى قلب أوروبا‏"‏‏.‏



***************

قلب الأرض:

=======

(مصر متوسطة الدنيا و قلب الأرض، هي أولًا دون مدارية بعروضها وإن لا مست أطرافها المدار، ولكنها متوسطية بعرضها، وإن تماست معه بالكاد، وهكذا جمعت مصر في آن واحد بين قلب إفريقيا وقلب العالم القديم، إفريقية هي إذن بالموضع، متوسطية بالموقع، فكما أنها تنتمي بالجغرافيا إلى إفريقيا، فإنها تمت أيضًا إلى آسيا بالتاريخ، فهي البلد الوحيد الذي تلتقي فيه القارتان وتقترب في الوقت نفسه من أوروبا، بمثل ما أنها الأرض الوحيدة التي يجتمع فيها البحران المتوسط والأحمر: الأول قلب البحار وبحر الأنهار، والثاني بحر بلا أنهار ولكنه بطولة وامتداده وموقعه كالنهر بين البحار).

"دكتور جمال حمدان-"شخصية مصر"

************

 إما القوة وإما الموت:
==========

(مصر اليوم إما أن تحوز القوة أو تنقرض إما القوة وإما الموت فإذا لم تصبح مصر قوة عظمى تسود المنطقة فسوف يتداعى عليها الجميع يوما ما كالقصعة أعداء وأشقاء وأصدقاء أقربين وأبعدين..! ).

"من مذكرات د.جمال حمدان"



************

 فلسطين عين القلب:
==========

(إن فلسطين عين القلب من العالم الإسلامي، لا جغرافيا فحسب، بل ودينيا أولاً وقبل كل شيء. إن يكن العالم العربي هو قلب العالم الإسلامي روحياً وموقعاً، فإن فلسطين - كمصر في هذا الصدد - هي أرض الزاوية من العالم الإسلامي طبيعياً. وبالفعل فإنها تقع في صرة العالم الإسلامي تتوسطه - ما بين الصين شرقاً والأطلسي غرباً وما بين وسط آسيا شمالاً وجنوب أفريقيا جنوباً. إن مكانة فلسطين في العالم الإسلامي تتلخص ببساطة وبما فيه الكفاية في أنها من منطقة النواة وقدس الأقداس فيه أرضا وديناً).
 "د.جمال حمدان – كتاب العالم الإسلامي المعاصر"

الخطر الصهيوني:

=========
(فالخطر الصهيوني لا يستهدف الأرض المقدسة في فلسطين فحسب"، وإنما "يمتد من النيل إلى الفرات شرقاً بغرب، ومن الاسكندرونة حتى المدينة شمالاً بجنوب. وهذا وذاك يعني نصف المشرق العربي بالتقريب، ويضم كل أرض الإسلام المقدسة بل وكل دائرة الرسالات، ويرادف قلب العالم العربي، وفي الوقت نفسه صرة العالم الإسلامي).
"د.جمال حمدان – كتاب العالم الإسلامي المعاصر"

 ************

كتاب "اليهود أنثروبولوجيا":

==============
ويعد دكتور جمال حمدان ، صاحب السبق في فضح أكذوبة أن اليهود الحاليين أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، وبرهن في كتابه "اليهود أنثروبولوجيا" الصادر في عام 1967م بالأدلة العملية أثبت حمدان أن اليهود المعاصرين الذين يدعون انتماءهم إلى فلسطين ليسوا أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، ولكنهم منتمين إلى إمبراطورية "الخزر التترية" التي قامت بين "بحر قزوين" و"البحر الأسود"، واعتنقوا اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات "آرثر كويستلر" مؤلف كتاب القبيلة الثالثة عشرة الذي صدر عام 1976 م.





العبقري الدكتور:جمال حمدان، يهتف ضد الجهل والبلطجة والاستبداد..!-بقلم: الطيب أديب










العبقري الدكتور:جمال حمدان، يهتف ضد الجهل والبلطجة والاستبداد..!

رغم رحيله منذ 22 عاما..

 بقلم: الطيب أديب
==========


تحل علينا يوم 17 أبريل القادم الذكرى الثانية والعشرين لرحيل المفكر العبقري أ.د. جمال حمدان.

وُلد جمال محمود صالح حمدان ـ  جمال حمدان ـ في قرية "ناي" بمحافظة القليوبية في 4 فبراير سنة 1928م، ونشأ في أسرة كريمة طيبة تنحدر من قبيلة "بني حمدان" العربية التي نزحت إلى مصر في أثناء الفتح الإسلامي، وكان جمال حمدان متفوقا في كل مراحل دراسته حتى حصل على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من جامعة "ريدنج" عام 1953م، وكان موضوع رسالته "سكان وسط الدلتا قديماً وحديثاً" ثم عاد لينضم إلى هيئة التدريس بقسم الجغرافيا في كلية الآداب جامعة القاهرة. وفي العام 1963 تقدّم باستقالته من الجامعة، وتفرغ للبحث والتأليف حتى رحيله عن عالمنا يوم 17 أبريل أثر حادث أليم عندما احترقت شقته في الدقي  التي كان متفرغا فيها لإنجاز مشروعه الفكري الحضاري،وذلك ما أثار الشبهات حول تعرضه للاغتيال من قبل جهات تخشى استكماله إنجاز مشروعه الفكري الذي زلزل الأرض تحت أقدام هذه الجهات المشبوهة التي كشفها وفضحها هذا العبقري ؟

 وترك لنا دكتور جمال حمدان عدة مؤلفات مهمة بالعربية والانجليزية ،وأهم مؤلفاته باللغة العربية: (دراسات في العالم العربي- دراسة في جغرافيا المدن- المدينة العربية- بترول العرب- - اليهود أنثربولوجيا- إستراتيجية الاستعمار والتحرير- العالم الإسلامي المعاصر-6 أكتوبر في الإستراتيجية العالمية- موسوعة"شخصية مصر - دراسة في عبقرية المكان"4 أجزاء-وكتب أخرى..).

 وكل كتاب من مؤلفاته يعد موسوعة في حد ذاته تحتاج لصفحات مطولة للحديث عنها، وبينما أقلب في صفحات الجزء الأول من موسوعته شخصية مصر ،وفي مقدمة الجزء الأول منها كتب حمدان تحت عنوان : "مايكتب ومالا يكتب"،وجدت أنني أمام عبقري من طراز خاص لا يكتب كغيره من الجغرافيين المعاصرين،كما أنه لا يصف ويحلل مظاهر سطح مصر وحدوها ومناخها وإمكاناتها البشرية والسياسية تحليل العاشق للمكان بكل تفاصيله فقط، وإنما هو يحلل ويشرح الشخصية المصرية بكل عيوبها والتي تسببت في تأخر هذه الأمة عن سائر الأمم وانهزامها وتسليمها مقدرات الوطن لأعدائها.وسأكتفي هنا بسرد ببعض السطور من هذه المقدمة الفريدة التي كتبها هذا المفكر العبقري، وكأنه مازال يعيش بيننا هذه الأيام التي نتجرع مرارتها.يقول مستنكرا النرجسية المبالغة في تمجيد الذات التي تربينا عليها كمصريين : (فنحن كشعب-لابد لنا بصراحة أن نعترف-لا نحب فقط أن نمجد ونطري أنفسنا بحق وبغير حق،ولكننا أيضا نحب أن نسمع عن أنفسنا ما يرضينا ويعجبنا أو يرضي إعجابنا بذاتنا الوطنية وبشخصيتنا القومية.بل أننا لنكره أشد الكره أن نسمع عن عيوبنا وشوائبنا نرفض بإباء أن نواجهها أو نواجه بها،ولا تكاد توجد ميزة على وجه الأرض إلا وننسبها إلى أنفسنا ونلصقها بها.و أيما رذيلة أو عيب فينا- أن هي وجدت على الإطلاق!- فلا محل لها لدينا من الإعراب أو الاعتراف،وان اعترفنا بها على مضض واستثناء فلها عندنا العذر الجاهز والمبرر والحجة المقنعة أو المقنعة).

الكبر المرضي:

ويضيف واصفا الحالة الشوفينية البهاء التي شخصها بالكبر المرضي  يقول: (ليس هذا فحسب ،أو ليت هذا فحسب .فما أكثر بعد  ذلك ما نقلب عيوبنا عن عمد إلى مزايا ونقائصنا إلى محاسن،بل أسوأ من ذلك قد نتباهى ونتفاخر بعيوبنا وسلبياتنا ذاتها ! ولعل هذا تجسيد لقمة ماسماه البعض "الشخصية الفهلوية". ويبدو عموما أننا كلما زاد جهلنا بمصر كلما زاد تعصبنا لها .بل الملاحظ أننا كلما ازدادت أحوالنا سوءا وتدهورا كلما زاد تفاخرنا بأمجادنا وعظمتنا ،كلما زدنا زدنا هزيمة وانكسارا كلما زدنا افتخارا بأننا شعب محارب،وكلما زدنا استسلاما  وتسليما كلما زدنا تباهيا بأننا شعب سلام متحضر...أيا ما كان،فنحن معجبون بأنفسنا أكثر مما ينبغي وإلى درجة تتجاوز الكبرياء الصحي إلى الكبر المرضي.ونحن نتلذذ بمارسة عبادة الذات في نرجسية تتجاوز العزة الوطنية المتزنة السمحاء إلى النعرة الشوفينية الساذجة البهاء العوجاء..).

النخب المسلطة:

وفي حال ظهور  كتاب غيورين على وطنهم ينتقدون تردي الأوضاع في الوطن سرعان ما يتسلط عليهم الكتاب النخب تهاجمهم وتكيل لهم الاتهامات الجاهزة كما يقول دكتور حمدان : (لا يمكن لكاتب أو عالم أو مفكر أن يوجه إلى مصر نقدا موضوعيا بناء صادقا مخلصا إلا وعد على التو و الفور وللغرابة والدهشة:عدوا بغيضا أو حاقدا موتورا إن كان أجنبيا،وخائنا أعظم أو أحقر  إن كان مصريا،وهذا وذاك إنما "افتراءات على مصر والمصريين" أو أكاذيب وأباطيل..).وفي المقابل يقول دكتور حمدان : (وحينما يمسي الكاتب ،كشاعر القبيلة في الجاهلية "صناجة" الوطن وبوق الشعب كيفما كانت حقيقتها ومهما كانت هذه حقا أو باطلا.وبذلك يفقد الكاتب وظيفته الاجتماعية ومبرر وجوده الوطني).

وأما الكاتب الحق الغيور على وطنه ،فيقول عنه دكتور حمدان : (الحقيقة أن ابن مصر البار الغيور على أمه الكبرى إنما هو وحده الذي-لصالحها- ينقدها بقوة وبقسوة إذا لزم الأمر و بلا مداراة أو مداورة.فصديقك من صدقك لا من صدقك ..ومن يك حازما فليقس  أحيانا على من يرحم.بل أن هذا الكاتب ليؤمن إيمانا مطلقا بأن مصر لن تتغير ولن تتطور أو تخرج من حمأتها التاريخية الراهنة إلا حين يأتيها المفكر والحاكم الصادق كلاهما مع نفسه و الجريء مع جمهوره فيواجهه علنا بعيوبه بلا وجل ولا دجل).

أعداء الوطن:

وأما أعدى أعداء مصر الذين يخدعون المواطن فيصفهم المفكر جمال حمدان قائلا : ( قد يكون أعدى أعداء مصر هم بعض المصريين المتعصبين ،أولئك الذين يدفنون بإصرار رءوسهم في الرمال ويتغابون أو يتغافلون  عمدا عن عيوبنا ،زاعمين باستمرار أم أم الدنيا مصر بخير وان ليس في الإمكان أبدع مما هو كائن...والمؤسف أكثر  أن على رأس هؤلاء الأعداء لمصر بالجهل والجهالة وضيق الأفق يأتي غالبا ولا نقول دائما الحكم والحاكم.فالسياسي،الذي-بالتعريف- يبيع الوطنية للمواطن،لا يملك إلا  أن يقدم الأوهام الوطنية والمخدرات التاريخية للجماهير،فمصر أم "أم الدنيا أم الاختراع،أم الحضارة،فاتحة التاريخ،،فوق الجميع،خير أمة أخرجت للناس"،"أم العرب"أيضا..الخ.والحاكم ،في الوقت الذي قد يكون أكثر من يسوم الشعب العسف والخسف والهوان والذلة والقهر الجسدي أو المعنوي أو كليهما،بحيث يصبح هو مصدر كل عيوبه وسوالبه،الحاكم لا يتورع  بالديماجوجية مع ذلك من ينافقه ويتزلف إليه ويتملق غرائزه الوطنية الطبيعية بتضخيم ذاته وتعظيم صفاته ومناقبه وأمجاده).

وقاعدة تمجيد الحكام تجسيد الوطن في شخصيتهم ليست وليدة اليوم وإنما هي متوارثة منذ عهدا الفراعنة كما يرى مفكرنا دكتور جمال حمدان فيقول: ( والقاعدة عند كل حاكم أننا –بزعمه-نعيش دائما في عصره أروع وأمجد فترة في تاريخنا وحياتنا بلا استثناء.كل عصر عند صاحبه هو،وهو وحده،عصر مصر الذهبي.منذ تلك نغمة أزلية وبضاعة مزهاة يكررها كل حاكم منذ عهد الفراعنة في نقوشهم وسجلاتهم الهيروغليفية على جدران الآثار حتى اليوم في أبواق الدعاية ووسائل الإعلام التي لا تتحرج ولا تخجل..ولأن الحاكم بالنظرية أو التطبيق،بالوراثة،أو الممارسة،يتوهم مصر دائما ملكا له ،ضيعته أو قريته الكبرى،هو الدولة وهو الوطن،والولاء للوطن هو وحده الولاء للنظام،فإنه يعتبر أن كل نقد موجه لمصر إنما هو موجه إليه شخصيا ،وبالتالي فهو  خيانة وطنية،خيانة عظمى.باختصار،النظام أو الحاكم هو بالضرورة والواقع العدو الطبيعي لناقد مصر  الموضوعي أيا كان.والغالب أنه يتخذ من المفكر الناقد لمصر "صبي الضرب whipping-boy" التقليدي وكبش الفداء الدوري على مذبح الشعبية الرخيصة ومداهنة الشعب (وإرهابه أيضا) ).

عملاء الطغاة:

وأما خداع الناس من عوام الشعب ونخبه المأجورة فيستغرب دكتور جمال حمدان من جهلهم وتملقهم فيقول عنهم: ( الغريب المؤسف أن الشعب المخدوع الساذج نصف الجاهل قد يستأسد ويبطش بابنه ناقده الوطني الذي يريد له الخير والسيادة فيدينه ويسلمه تسليما لسوط الحكم وهكذا وللغرابة والدهشة فقد نجد الشعب المسكين المضلل –ولا نقول الخائف المروع_ يتبادل مع قيادته العاجزة الفاشلة الباطلة غالبا و جلاده الغاشم الخائن أحيانا أنخاب خداع النفس...ولقد يشارك بعض  زواحف الكتاب الانتهازيين والمأجورين والعلماء العملاء في هذه المحاورة المخزية أو الديالوج المدمر،فتمجد كل سلبياتنا ومثالبنا بأي منطق،بل وقد تزين لنا العبودية في الداخل  أو في الخارج أي للحكم الغاشم  أو للعدو الغاصب على الترتيب.ولئن كان منطق عملاء الطغاة الزائف ليس إلا منطق العبيد ،إلا أن الناقد المثقف المفكر الوطني الحق يجد نفسه هكذا في النهاية محاصرا-للغرابة والدهشة أكثر- بين قوسين من الإرهاب والترويع الفكري والجسدي،الحاكم الطاغية المغتر من جهة والشعب المكبل المقهور المغلوب على أمره من الجهة الأخرى .وهكذا يعود الناقد الوطني مرغما مرة أخرى إلى المنطق المعكوس المرفوض، منطق" عيوب هذا الشعب وأمراضه ومآسيه ومآله ومصيره هي جميعا عقابه الطبيعي المستحق.!).

رحم لله عاشق مصر- المفكر العبقري - د.جمال حمدان ، الذي غرس فينا الانتماء لهذا الوطن ،وعلمنا رفض القهر والاستبداد ،ومقاومة عبادة الذات، وشهوة تقديس الحكام تلك التي أوصلت بلادنا  لهذه الحال المتردية  التي نعيشها..!

 ===================
نشر بجريدة الشعب -8/أبريل/2015م.