مختارات من المجموعة القصصية "رحيل السنط "
صدرت الطبعة الأولى عن مركز الحضارة العربية – القاهرة 2003م
==============================
ذو العباءة البيضاء
أخذتني غفوة في آخر الليل فرأيته أمامي ، كان قوي البنيان وله هيبة ووقار ، سألني عن حا لى في استحياء ، وعندما رق لحا لى نصحني بألا أكثر من النوم هذه الأيام ، وعدني بالفرج القريب ثم أحكم عباءته البيضاء وخرج مسرعاً .. حكت أم عباس حكايتها على نساء الدار فسخرن منها وعذرنها لكبر سنها !
زينب زوجة الحاج صابر أتاها المخاض بعد أن طال انتظارها لمولود ذكر يخلد ذكرى والده . تجمع حولها نساء القرية وهن يرفعن أكفهن إلى السماء ، وعلى صرخات المولود هللن وكبرن .. قالت زينب إنه سعيد .. نعم سعيد .. أنا لم أسمه بل هو الذي سماه .. جاءني في المنام كأنه ملاك ، أعطاني حبات من التمر ، وشد من أزري وهو يقول : الفرج قريب يا أم سعيد ! تعجبت نساء القرية وهن يضربن كفاً بكف .. قالت أم حسان : ماذا حدث للنساء هذه الأيام ؟
هرولت أم حسان لبيتها ، وكان حسان عائداً لتوه من المدينة ، قبلته وأسرعت تعد له العشاء .. سألته عن أحواله فطمأنها ، وحكى لها ما حدث معه بالأمس قال : داهمني النوم مبكراً فطويت كتبي بجواري وإذا برجل يقف أمامي في شموخ وبينما أسأله عن هويته .. قال ستعرفني قريباً ونصحني بألا أكثر من النوم هذه الأيام ، وأمرني بأن اهتم بأهلي وبينما أنهض فاتحاً عيني وجدت نوراً كثيفاً يملأ الحجرة ! في مثل هذه الأيام من كل عام تنقض الذئاب المفترسة على القرية فيدب في أرجائها الخراب .. قالت أم فارس هجرني النوم منذ ليال عدة ، وإذ بي أسمع صهيلاً لم أسمعه من قبل .. بدا يقترب مني شيئاً فشيئاً ، فتحت النافذة ، رأيته بأم عيني ، فوق فرسه شاهراً سيفه البتار وهو يحصد الذئاب ويدوسها بحوافر فرسه .. وما تبقى منها يعوي ثم يعوي ثم يهرب .. وجدتني أزغرد ثم أزغرد بصوت عال ..
أسرع أهل القرية يهرولون في شجاعة لم يسبق لها مثيل من قبل والذئاب تعوي ثم تهرب والناس يتعقبونها ، قفز من جواده مسرعاً وترك عباءته ولم أره ثانية .. جرى ابني فارس فحمل العباءة البيضاء ثم امتطى صهوة الفرس !
أكتوبر 1996م
-----------------------------------------------------
كلب حسان
اقتربت منه فهز رأسه مرحباً ، لكنه كان مجهداً هذا الصباح من مطاردة اللصوص ليلاً ، مسحت على رأسه فهز ذيله وبسط ذراعه .. " ولاد الكلب " حاولوا قتلي هذه الليلة .. هكذا قال كلب حسان .. !
تذكر كلب حسان أيام كان صغيراً مع سيده الذي كان يعمل "جنايني " في فيلا الهانم وقال :
بينما أنا داخل " الفيلا" مع عم حسان رأيت الكلب "شوشو " وكان أنيقاً ، كانت تغسله ب"الشامبو" والماء الدافئ بعدها ترش "البارفان " على فروته ، وعندما يأتي موعد الأكل كان "شوشو" يأكل من طبق صيني لا يأكل فيه عم حسان نفسه ، ولكن ما أدهشني وجعلني أغير من "شوشو" أن الهانم تأخذه في حضنها عندما يأتي موعد النوم .
أنا أنام في الشتاء القارس ، وهو ينام في حضن الهانم ، أنا أطارد اللصوص وهو يستأنس اللصوص أنا ....... وهو .........
ما زال كلب حسان يتكلم !
وأنا أنبح بجواره !!
فبراير 1993م
-------------------------------------------
سر النخيل
تفور الذكريات داخله يعاوده الحنين إلى الماضي ، الأرض التي أخذته في أحضانها منذ نعومة أظفاره فأرضعته من حنانها ، النخيل الذي غرسه مع جده ، كلمات جده المحفورة داخله وهو يوصيه : النخيل يا حازم ، تأمله يا ولدي ! إنه يقاوم من أجل العطاء ، يهبنا خيراته ولا ينتظر منا شيئاً ، حتى عندما يموت .. يموت واقفاً لا ينحني ! تدوي الكلمات داخله يذهب إلى أبيه يستسمحه الجلوس في ظل النخيل ، يسأله عن جده ، حياته ، بطولاته ، هل مات أم استشهد ؟
يحكي عبد العال أنه يتذكر أباه عندما شح النيل عن العطاء فأصاب الناس القحط في إحدى السنوات : كانت صوامع جدك يا حازم مكدسة بالغلال والتمور ، وزعها كلها على أهل البلدة بالتساوي ولم يترك لنا إلا نصيبنا مثلهم .
وعندما سمع بالعدوان الثلاثي نادى في الناس فتطوع معهم في القتال وكنا خلفه نقاتل ، لكنه كان فارساً حتى استشهد وهو قابض على بندقيته .
يصمت عبد العال ثم يمسح على رأس حازم قائلاً :اشتد ساعدك يا ولدي وصرت رجلا تدرك الأمور . أوصيك أن تصون الأرض وتحفظ العرض وتغرس النخيل !
النخيل يا حازم : يجعلك مرفوع الهامة وأنت تنظر إليه و تصعد إلى أعلى وأنت تجني ثماره ! وعندما يقع تصنع منه أسقف البيوت !
تدور عجلة الزمن ويلبي حازم نداء الوطن ، ينطلق مع رفاقه يوم العبور العظيم يقتحمون الحصون وهم يكبرون !
حكى حازم بعد رجوعه رافعاً رأسه أنه سمع جده يكبر معهم ثم يصيح : النخيل يا حازم !
أكتوبر 1993م
----------------------------------------------
سر اللعنة
سر اللعنة
كان يسير مع رفاقه يتجولون أرجاء المعبد الفسيح ، يتبادلون التقاط الصور ، لكن اهتمامه كان واضحاً برفيقته التي تلف ذراعها حول خصره بين الحين والآخر ، كانا يتهامسان خلف تمثال رمسيس الثاني ، بينما كنت أمام التمثال .. لم أفهم من كلامهما إلا "شالوم"، وجدتني أدير نفسي للناحية الأخرى ، كان صدرها شبه عار، أما جيبتها فتكاد لا تستر نصفها السفلي .. تظاهرت بأنني لا أنظر إليهما ، لكني عدت أتفحص ملامحهما ونظراتهما الحادة .. ابتسم ابتسامة صفراء وسألني بالعربية وكان فصيحاً :
- مصري ؟
- نعم.
- هل تعرف شيئاً عن لعنة الفراعنة ؟
- لا.
- وأنت يهودي ؟
- أومأ برأسه .. واسمي "حاييم"!
- لماذا لا تسافرون إلى بلدنا ؟!
- بلدكم ! وهل لكم بلد ؟!
- نعم .. نعم .. وعندنا سياحة جذابة ، عندنا شواطئ وفتيات جميلات – وأدار وجهه إلى رفيقته – وعندنا " الأقصى " هل تعرف الأقصى ؟!
- الأقصى ! وهل تسمع عن رجل اسمه " صلاح الدين " ؟
حدق في وجهي طويلاً وبدا واجماًَ ثم أدار وجهه عني منصرفاً بينما الفتاة تنظر خلفها !!
ناديته : حاييم .. انتظر .. الآن فقط عرفت سر اللعنة !
ديسمبر 1993م
--------------------------------------------
الوجه الآخر
أحسست بتعب وأرق شديدين ، تمددت على السرير ، تغلبت على نفسي فقمت ، خلعت ملابس العمل وارتديت جلبابي ، وبينما أنظر في المرآة لمحت وجهاً غريباً فرحت أتأمله . بصق في وجهي ، اقشعر بدني ، ارتميت على السرير ، غلبني النعاس فإذا به يكتم أنفاسي .. يصرخ :
- بيني وبينك ثأر قديم .
وجدتني أفز .. أصرخ في حالة هيستيرية ضارباً بيدي المرآة ، لم أشعر بشيء إلا ويدي ترتجف واللون الأحمر قد غطى جلبابي الأبيض ،جاءت أمي تهرول في فزع ، بسملت وحوقلت وسقتني بعض الماء وجاءت بقطعة من القماش فربطت يدي وجلست بجواري ، فارقني النوم ، أخذتها غفوة ثم فزعت وهي تصرخ .. هدأت من روعها وأنا أبسمل وأحوقل ثم ناولتها كوب الماء .
مارس 1993م
---------------------------------------
قصتان في الألوان
(1)
كانت سلمى تدرك الكتابة لكنها تجهل القراءة . جاءت في شغف تبغي التعلم ، وبينما نبدأ الحصة ، نظرت سلمى حولها وقالت : ما هذه الكتب الملونة ؟
قلت : أتقصدين الكتاب الأخضر ؟
قالت : وأيضاً الأبيض والكتاب ..
ولما أوجزت لها المعني قالت : إذن هي كتب سوداء في الزمن الأغبر !
-2-
وبينما نقلب الصفحات في درس السلالات قالت سلمى :سمعت أن الشعوب الصفراء خلقت من عجين ، والشعوب الحمراء والبيضاء خلقت من نار ، أما الشعوب السوداء فخلقت من طين ، وما إن انتهت سلمى من كلامها حتى وجدتني أقهقه ، ثم أقهقه بصوت عال ، حتى سالت مني الدموع كي تخفف من نار الألوان التي اهتاجت داخلي !
مارس 1993م
------------------------------------------------------
دائــــــــــرة
كنا صغاراً وكان الكبار يدفعوننا ليصارع بعضنا بعضاً وهم يلفون حولنا دائرة يتفرجون ، وقلما أجدني منتصراً حتى على من هم أصغر مني ، نهرني أبي وعلمني فنون المصارعة ، وكان يصر على أن أشرب حلة اللبن يومياً وأتناول رطل اللحم وحدي ، اشتد ساعدي وعشش الانتقام بداخلي ، وجدتني أدحر أقراني واحداً تلو الآخر ، أصيح وسط الدائرة والكبار يتعجبون من أمري ، أمسكني أحد الكبار ليغلبني ابنه ، لطمته على كتفه ، وقع على الأرض وابنه قدامه وسط الدائرة ، أصبحت فتوة المنطقة ، شاخ أبي وحنى الزمان ظهره فبارت الأرض وهرب اللبن من ضرع الجاموسة فهربت فتوتي مني .. أمشي في النهار تحت الجدران وأخرج في الليالى الحالكة حتى قويت سواعد أبناء المنطقة ، ورجعت أنا كما كنت صغيراً .
مارس 1993م
------------------------------------
جدتي والحلم
كان جدي صعب الشكيمة ، وكان حكيماً ، يكن أهالي القرية له احتراماً ، ويسمعون كلامه ، كنا صغاراً أنا وأبناء عمي نلعب مع أقراننا عسكر وحرامية وعندما يأتي عمي من العمل يأخذنا إلى البيت الكبير وأنا تحت عباءته وجدتي في انتظارنا ، تنهرني لخروجي وقت الغروب خوفاً من الشياطين ثم تحفظني آية الكرسي ومعي أبناء عمي ، يأتي جدي يرصنا حول المائدة الكبيرة حتى إذا ما حمدنا الله تأتي جدتي وترص النسوة حول المائدة!
في الصيف يجمعنا جدي في البرندة ، يفتح أبي النوافذ البحرية ، كنا نطرب لأحاديث جدي ونصائحه ولقفشات عمي فكان الجيران يضحكون معنا وكثيراً ما نجدهم بيننا ، وفي صبح لن أنساه سمعت صراخاً وعويلاً في البيت وخارجه يقلون إن جدي قد مات .
كنت أسأل عنه كل يوم وأنا أبكي فتقول لي جدتي إنه في الجنة وسوف نقابله يوماً ما !
فأسكت !
دخلت المدرسة ، هجر أعمامي البيت الكبير بعد أن شيدوا بيوتاً من المسلح ، حتى أبي أخذنا في بيت كإخوته ، أبت جدتي أن تترك البيت الكبير ورفضت الكهرباء والمسلح وكنت أتصل بأولاد عمي "بالتليفون " أسبوعياً لنتقابل عند جدتي التي شاخت وعشش الشيب برأسها نسمع منها النصائح ونشم الذكريات ، كانت تحفظنا سورة الفجر ، ونسمعها تقول عن جدي: ( فارس وكان له بين الرجال هيبة .. مين من العيال يرحم الشيبة ) ، فأبكي ومعي أولاد عمي نذهب إلى الحاصل نحس بالدفيء ، نشم رائحة القهوة ، نطلع البرندة تلفحنا نسمة هواء, نسمع قهقهة وضحكات ، نخرج من البيت بعد أن خيم الظلام ، نقرأ آية الكرسي ، انتظر عمي لم يعد يأخذني تحت عباءته ، أعدو إلى بيتنا أبكي ، أفصل الكهرباء عن المنزل ، أجمع إخوتي الصغار حولي فيأتي أبي ينهرني ويسلمنا للنوم ، جاءني جدي في المنام يمسح على رأسي ويقول : ( لازم تجمع الشمل )، أستيقظ في الصباح مفزوعاً خائفاً من أبي وأعمامي .
يونيو 1991م
----------------------------------------------
ثلاث حصص
الحصة الأولى :
دخل مدرس الإنجليزي ورسم على السبورة وقال لنا : القط (كات) ، والفأر (رات) ، والكلب (دوج).
كتبنا ورسمنا في الكراس ، رفع أحدنا يده وقال : هل نرسم الفأر بجوار القط ؟
فأجابه الأستاذ : ما دام الكلب جنب الفأر فما على القط إلا الهروب أو السكات !
الحصة الثانية :
كان الأستاذ يحمل الخريطة كعادته ، علقها على السبورة وسألنا :
- من منكم يوضح البقع السوداء ؟
فسأله أحدنا :
- في الجغرافيا يا أستاذ أم في التاريخ ؟
الحصة الثالثة :
هذه آخر حصة اليوم و غداً أجازة !
كتب على السبورة "تربية فنية "
( ارسم بالألوان لوحة فنية لمعركة حربية ).
وتركنا وذهب يعد للحفلة .
رسم بعضنا دبابات وطائرات شبح ، ورسم البعض جنوداً أسرى يقبلون الأرجل
ثم دق جرس الحفلة !
سبتمبر 1992م
------------------------------------------------
ذلك السر
أرخى الليل سدوله ، كل شيء حولي بات ساكناً ، نباح الكلاب ، نقيق الضفادع ، تلك أصوات مألوفة ، مرت ساعتان بعد منتصف الليل وأنا ما زلت أبحلق في الجدران والسقف ، خطوات آدمية وأنفاس خلف المندرة ، دست على زر اللمبة ، ثم أطفأتها بيد مرتعشة ، نصف ساعة ورأيته في طرقة البيت بجوار النافذة ، دعكت عيني وفتحتهما جيداً ، رأيت نصفه العلوي و"كان عارياً "، وجدتني أفز من مكاني فرآني ، وقف خلف النافذة شاهراً بيده نحوي وكان بها شيء ما ، اقشعر بدني ، أغمضت عيني ، يبدو أنه خائف مثلي ، أحسست بزحف على الأرض ، فتحت عيني ، عاودتني قوة غريبة ، زعقت بأعلى صوتي ، فنزل أبي ، واستيقظ بعض الجيران ، فتحت الباب ، هرول الجميع خلفه ، فأوقفهم أبي وأرسل وابلا من الطلقات من بندقيته فوق رأسه ، تعجب الجيران وأنا : لماذا لم يقتله ؟
ولما تنفس الصبح أيقظت أبي لأعرف السر ، فأخبرني بأنه يعرف اللص ، وأنها ليست أول مرة ، ويجب أن يظل على قيد الحياة وأمرني بان ألزم الصمت !
سبتمبر 1992م
----------------------------------------------------
أبو جبل
كان أهل القرية يلقبونه " أبو قلب حديد " فهو لا يخشي الجن والعفاريت ، يتردد على مزرعته الصغيرة نهاراً وليلاً ، ذات مرة جاءه جن في صورة كلب ، فتارة يرجمه بالحصي وتارة أخري يسد المياه عن الزرع .
استشاط أبو جبل غضباً واحمرت عيناه فحمل فأسه وهوى بها على رأس الجن الكلب فاشتعلت المنطقة نارا وعجت صراخاً ، لم يهرع أهل القرية للإطمئنان على "أبو جبل " ولكنهم استقبلوه استقبال الأبطال عندما عاد وهو يحمل فأسه فوق كتفه !
يناير 1994م
-----------------------------------------------
لقطات دامية
(1)
خارطة عريضة .. مهشمة المعالم .. كثيرة الحواجز ونجمة داود تتلألأ في منتصفها .
(2)
طائرات مبرمجة تختال في سماء البلاد .. تدك المدن والقرى .
أسفل الصورة : بيوت تتهدم .. أشلاء تتطاير .. نساء يولولن .. وأرض تبكي الرجال ..!
(3)
عربة مصفحة مكتوب عليها UN
خارج العربة : جنود طوال القامة يحتسون الويسكي ..!
(4)
المسجد الأقصى, وقد تغيرت ملامحه يستغيث ! لافتة : يا أرض من أين ستأتي الجيوش ؟!
يونيه 1996م
-----------------------------------------
وقالت سمكة
الأسماك المسالمة تخشى الاقتراب من أسماك القرش الهائجة التي تبتلع منها أعداداً كبيرة كلما مرت جوارها . القرش يعشق لون الدماء ورائحتها ، وما ان يستشعر بقعة منها حتى يتجمع من كل فج باحثاً عن الفريسة .. كبير القرش ينهل منها ما يكفيه ، ومن بعده يأتي القرش الصغير على بقيتها ، وعندما يسكن البحر يقبل القرش نحو الأسماك يبتلع ما يكفيه منها ، وفي أحد المواسم عم الرخاء فأقبلت الأسماك تملأ بطونها حتى انتعشت .. أسماك القرش الهائجةالتي أصابتها نوبة من الغضب فثارت وعقدت اجتماعاً عاجلاً مطالبة بوضع حد للمهزلة حتى لا تشبع الأسماك وتشم أنفاسها ، وبينما أحدهم يزعق في مجلس القرش ، فتح كبير القرش فمه الواسع وقهقهة بصوت عال وقال : لماذا تثورون أيها الأغبياء ؟ ألا تعلموا أن الأسماك ( المسكينة ) عندما تملأ بطونها يكثر لحمها فتسمن ونحن بدورنا نلاحقها فلا ندعها حتى تختفي داخل بطوننا الواسعة ؟!
***
أقبلت مواسم عجاف والأسماك المسكينة لا تجد ما يسد رمقها حتى أقبلت على الشعاب المرجانية تنحت فيها فلا تجد غير كسر أسنانها الصغيرة . بينما القرش يبتلع ما يقابله من الأسماك الهزيلة ، وقالت سمكة صغيرة في مجلس الأسماك : ما رأيكم لو قمت بتفجير نفسي في موكب كبير القرش لإنقاذكم من الهلاك ؟!
قالت كبيرة الأسماك : إياك والقيام بهذا العمل الفدائي هذه الأيام .. ولا تنسي أن كبير القرش ضخم وقوي وربما ينتقم القرش منا فيثور ثورة لا تبقي من الأسماك ولا تذر ..!
وقال سمكة أخري : وما رأيكم لو نقوم بجميع كمية كبيرة من " الزرنيخ " السام ويقوم فريق من الأسماك الفدائية بابتلاع ما يقدر عليه عند اقتراب موكب القرش ، بينما يقوم فريق آخر بمضايقة كبيرهم . ساعتها سيهجمون علينا فاتحين أفواههم فيسرع الفريق الفدائي باقتحام البطون المظلمة ليختفي داخلها .. وهكذا نتخلص من القرش واحداً تلو الآخر ..!
أبريل 2003م
------------------------------------------------------
صرخات عربية
(1)
طائرات خفية تصب حممها .. صواريخ" كروز وتوماهوك "المبرمجة تنطلق من فوق المياه والرمال العربية تدك أرجاء الرافدين .. بينما الجنود الغزاة يحرسون منابع النفط ليسلب عبر المياه والرمال العربية إلى ما وراء البحار ..!
(2)
الغزاة يرقصون على مقربة من دخان النيران وهي تلتهم مكتبات بغداد والكوفة والبصرة بينما رماد الكتب والمخطوطات يلعن التتار في كل عصر !
(3)
متحف بغداد يبدو كئيباً ، بينما الجنود الغزاة يقلبون أرجاءه .. وأمام لوحة تاريخية لملك بابل" نبوخذ نصر " وهو يسوق أسرى اليهود بعد تدمير أورشليم وقف القائد (الصهيوصليبي ) يكشر عن أنيابه وأمر جنوده اللصوص بتأديب الملك البابلي !
(4)
صواريخ الأعداء المبرمجة تنطلق من فوق المياه والرمال العربية تدك شارع الرشيد .. كانت أشجار النخيل تتهاوى واقعة والبيوت تنعي أصحابها ، بينما جنود الاحتلال يتعقبون النساء الناجيات من القصف .. أسرع أحدهم فأوقف واحدة ، رفع ثوبها يتحسس فخذيها بينما الآخر خلفها .. كانت المرأة تصرخ بأعلى صوتها : وارشيداه .. وامعتصماه .. من أين سيأتي الرجال؟!
(5)
في شمال البلاد ، قادة الأكراد في موكب مهيب يستقبلون الحاكم ( الصهيوصليبي ) بالقبلات ، وعلى جانبي الموكب تتراقص الفتيات والصبيان على نغمات المزمار البلدي .. وفي ختام الحفل البهيج يجلس ( الحاكم المنتظر ) منفرج الأسارير ، يمسك بمكبرات الصوت .. يلتقط أنفاسه ويبدأ كلمته قائلاً .. شكراً لكم يا أحفاد صلاح الدين الأيوبي !!
أبريل 2003م
---------------------------------------------------
رحلـــــــــــــــــــــــــة
ضربات المنبه لم تخلف ميعادها معلنة ميلاد يوم جديد ، مددت يدي نحوه فانقطعت ضرباته ، وعلى صوت أمي تصلي الصبح وجدتني أقفز واقفاً أنظر في المنبه ، وتوضأت وانتظرت قليلاً بعد الصلاة ، أخذت نخبة من اللبن الدافئ وقدحاً من الشاي ، سحبت حقيبتي الصغيرة بعد أن ارتديت ملابسي ورحت أركض نحو المدرسة ، بدت على وجوههم فرحة غطت نسمة برد طوبة ، جاء الأتوبيس ، أطلق السائق نفيراً معلناً بدء الرحلة ،أرسلت الشمس خيوطها يجر بعضها بعضاً . عم الدفء الجانب الشرقي من المدينة، وقف التلاميذ صفين في انتظار الدخول ، مجموعة من السياح تهم بدخول المعبد قال أحدهم : ( بونجور) وكان مبتسماً ، دخل مرشد الرحلة ولف التلاميذ حوله دائرة يقرأ أسرار الجدران ، تمثال ملكي يقف في شموخ وبين ركبتيه الزوجة الرسمية وصرح عال منقوش عليه اسمه وصورة الجدار الخلفي للملك والأجداد يحتفلون بالحصاد ، صالة واسعة كثيرة الأساطين الفخمة ، سأل تلميذ عن اختلاف طولها وشكلها الفني فأجابه المرشد لاختلاف الملوك ، وعلى جدارها صورة للملك يضرب الأسرى في (قادش) وهو يركب عربته الخاصة ، ولحقت بنا مجموعة من السياح قال أحدهم ( جود مورننج) . انطلقنا للأمام ، وقف التلاميذ ، قال المرشد : هذا العمود يرمز لزهرة اللوتس والآخر لزهرة البردي والصورة للملك يلبس التاجين على رأسه تأملنا طويلاً ! وتقدمنا خطوات للأمام خلف المرشد ، مجموعة من السياح تدور حول الجعران ، قال المرشد : إنه الملك يقدم النبيذ للإله . تقدمت سائحة وقالت ( بونجور نو ) وناولتني الكاميرا وقعدت قدام الجعران ، ثم أومأت قائلة ( كرتسيه ) . أنهى المرشد الجولة الأولى وصوب الميدان الفسيح توجه الركب ، تبدو الأرض منتشية بالخضرة ، نسمات مفعمة غطت أرجاء المكان ، قعد التلاميذ يتناولون ما خف حمله ، تقدمت سائحة – ترتدي شورت – إلى أحدهم ، أهدته قلماً ، أخرج ورقة ورسم عليها وجهها وأهداها الصورة ، اقتربت مني وقالت : (فوتو بليز) . أخذت لها اللقطة وجاء تلميذ وأخذ لنا لقطة معها وترك نصفها السفلي وقد ظهر المسجد والمعبد في خلفية الصورة ، وكانت الشمس قد قطعت نصف رحلتها اليومية !
توجه الركب إلى مدينة الموتى على الجانب الآخر من المدينة ، أشعة الشمس تراقص سطح النهر ، غرفت حفنة من مياهه أفتش عن السر السرمدي الراقد في جوفه فخرت من يدي ! معبد يحمل اسم الملك وبه صور للإله ومخازن للغلال ، المعبد الآخر معبد الملكة والصورة للمراكب تجوب الشعوب محملة بالغلال والملابس وصورة (لأنوبيس) إله الموتى وعلى الطريق الضيق والشمس تقترب من نهاية رحلتها دخل الركب مقبرة الفرعون الصغير ، ثمة طلاسم على الجدران ومجموعة من القردة قال المرشد عنها ( إيميدوات ) وملك آخر صنع من الموت مفتاحاً يلقن به الملك الميت طقسة الحياة ، أنهى المرشد جولته ولم تنته الرحلة بعد ، وعلى المعاريج الضيقة خرج الركب والتلاميذ يتأملون الشمس خلف الجبل وهي تسحب خلفها ما تبقى من حياة في مدينة الموتى !
يوليو 1995م
--------------------------------------------------------------
حافة الهاوية
حافة الهاوية
الوجوم كسا الوجوه المسنودة على الأبدان المستلقية على الأرض وقد اتخذت من جذوع الأثل المرصوصة في الساحة الفسيحة مسنداً للظهور العريضة .. نسمات من الهواء البحاري مفعمة برائحة اللبخة القديمة تغطي أرجاء الساحة تكسر من موجة الحر التي خلفتها آثار الشمس الملتهبة .
دس أبو شحات يده اليمنى في جيب الصديري وأخرج علبة الدخان الحديدية ، فتحها والتقط منها دفتر البفرة .. بلل أصبعه السبابة بلسانه وفصل ورقة منه ، حشاها بحبات الدخان ولفها بإبهامه وسبابتيه وسلمها لشفتيه الغليظتين وهم بإشعالها ، بينما عبد العاطي مسترخ إلى جواره تنصهر فى فهمه حبات المدغة المخلوطة بالعطرون فيمد رأسه مخرجاً لسانه كالثعبان ليدفع بالمخلفات الصفراء مكوناً بركة صغيرة أمامه !
موجة من الضحك الجماعي انتابت الأبدان المستلقية على الأرض – كسرت من حاجز الصمت – اقترب رشاد مهرولاً يتصاعد خلفه الغبار بينما الصبيان يتعقبونه بالحصى .. بينما هو يلعن أبو البلد التي لا تحسن تربية صغارها وتتركهم يتسكعون في طرقاتها ، يستبيحون أعراض الناس ، يناديه أبو شحات وهو يخرج علبة الدخان .. يقترب رشاد يلف له سيجارة فيجلس .. يشعلها له فيهدأ . ترتفع موجات متواصلة من الضحك وتهتز الأبدان مع قدوم شعلان حاملاً جوالة البالى خلف ظهره تتساقط منه بقايا أوراق قذرة ومخلفات البيوت يسأله عبد العاطي عما في جواله فيجيبه بصوت عال : هذه زبالتكم يا عالم يا "....." !
ترتفع الضحكات .. يخرج أبو شحات علبة الدخان من جيبه قائلاً : هذه البلدة موعودة بنجومها وكلمها رحل واحد منهم جاء خمسة غيره ، وبينما ترتفع الضحكات وتهتز الأبدان ، ارتفع صوته مدوياً من الشارع الجانبي وهو يبصق على كبار البلد بأسمائهم واحد تلو الآخر .. وعندما اقترب أبو الحمد بجلبابه الممزق من وسط الساحة بصق بصقة مدوية على البلد التي ليس لها هم يشغلها إلا الأكل والنوم والسخرية من خلق الله ، وبينما هو يتوكأ على عصاه الغليظة مختفياً عن الساحة ، انتفض رشاد وشعلان واقفين .. حدقا في الوجوه التي كساها الوجوم ، المسنودة على الأبدان ، المستلقية على الأرض ، وأسرعا خلف أبو الحمد يبصقان بأعلى صوتهما ، والصبيان خلفهما !!
يناير 2002م
-------------------------------------
الثعالب
تحكي لي جدتي عن جدي أنه غرس أول أشجار هذه الجنينة وصال وجال في جنباتها .. لكن القدر أتاه فجأة فقطفت روحه قبل أن يقطف من ثمارها .. ورغم أنني لم أره إلا أنني كنت أسمع صوته مع شقشقة العصافير وأتخيله في شموخ النخيل وأشم رائحته عند شجرة الحناء ، كنت كثير التردد على جنينة جدي أقضي معظم النهار وغسق الليل فعرفت الكثير عن لغة الطيور وعطاء الشجر ومكر الثعالب التي كانت تتسلل منقضة على الطيور المسالمة التي تعج الجنينة بأنواعها المختلفة ، وكثيراً ما كانت الثعالب تعبث بالثمار والأشجار ، مما دفعني واثنين من أبناء عمي لوضع حد للمهزلة ، فكنا نقبع في أركان الجنينة ساعات نحبس أنفاسنا منبطحين على الأرض خلف ساتر من القش .. أدركنا أن للثعالب لغة خاصة وفنوناً عديدة في المراوغة فما أن تتسلل واحداً تلو الآخر حتى تنتشر في أرجاء الجنينة وفي لحظة واحدة تنقض على الطيور المسالمة وقت الظهيرة فتذبح منها أعداداً غفيرة تلتهم بعضها . وتحمل ما يفيض عن حاجتها فهي لا تأمن الغد ، وكعادته كان يتقدم الثعالب كل أسبوع ثعلب قليل الشعر طويل الذيل ، يبدو أن المكر والدهاء قد أكلا من جسده النحيل ، أدركنا أنه كبيرهم ، كان يقف بين الأشجار بينما تلتف حوله الثعالب في شبه دائرة مصغية لأوامره ، تارة يختلفون وأخرى يتفقون ، يختلفون في حمل الغنيمة فكل منهم يريد أن يظفر بها وحده رغم صغر حجمه .. ولكنهم يتفقون في خراب الجنينة وتركها خاوية على عروشها ، لم نحتمل الوضع طويلاً فقد دب الخراب في أركانها ولم نعد نسمع إلا خواء الثعالب ونعيق البوم . قال أحدنا : لقد ضحينا بحصاد عام من أجل إنقاذ الجنينة وقد حان الوقت للتخلص من الثعالب . وعرض خطته .. !
قال الثاني : بل يكفي القضاء على كبيرهم فقط .
قلت : لن نستطيع قتلهم جميعاً ولكن يكفي الإمساك بأحدهم وتعليقه وسط الجنينة . وفي النهاية قرر ثلاثتنا التخلص من كبيرهم ليكون عبرة لكل الثعالب ، وما هي إلا ساعات حتى حددنا موقعه الذي اعتاد الوقوف فوقه وانتهينا من الحفرة الضيقة العميقة ، كانت الشبكة محكمة داخل الحفرة المغطاة بالقش وأوراق الأشجار وريش الطيور .. اتخذ كل منا موقعه وبينما جموع الثعالب تأخذ أماكنها كان يبدو عليه الأرق والضيق ، انتفض قليلاً وهز ذيله الطويل وما هي إلا لحظات وامتلأت الجنينة بالغبار وخواء الثعالب وقفزاتها هنا هناك .. قفزنا مرة واحدة ، أمسك أحدنا طرف الشبكة بإحكام سحبناها لأعلى كان راقداً داخلها بلا حراك ، ظن ثلاثتنا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة من هول الصدمة ، فقد كان مفتوح العينين ، عديم الحركة ، متصلب الجسم ، عفن الرائحة .. يا إلهي أهكذا تموت الثعالب ؟ قال أحدنا .
قال الثاني : يجب قطع رأسه فوراً .. قلت : بل نعلقه هكذا .. ازدادت الرائحة الكريهة .. وبينما نهم بإخراجه من الشبكة انتفض .. وقفز بسرعة البرق .. وقفنا بلا حراك نمضغ الغيط بينما هو أمامنا يزوغ عن البصر ..!
مايو 1993م
-------------------------------------------------------
رحيل السنط
أدور يميناً ويسارأً ، أبحث عنه عند أشجار السنط المتراصة على جانبي الطريق الصحراوي ، وبينما أنا واقف هناك عند كوبري القرية ، سمعت ضربات فأسه ترتطم بفروع السنط .. كان معلقاً في قلب الشجرة يصارع فروعها فتتهاوى من تحته .
( كنا صغاراً وسالم ابن سعد الله يتسلق فروع السنط البعيدة يرمي " بالقرض " فنقوم بجمعه في حجورنا الضيقة لنبيعه بالكيلة للحاج عبد العاطي .. نتقاسم القروش القليلة لنشتري الحمص والحلاوة المطاطة ، ونلهو في أفراح القرية ).
اقترب منه: كيف حالك يا عم عبد الهادي ؟
- الحمد لله .
هبط إلى أسفل .. ثم قفز على الأرض يلملم فروع السنط ليعيد تقطيعها ..
- أتوبيس المدينة المهترىء يبدو قادماً .. اقترب من الطريق الصحراوي وأنا أشاور بيدي فيقف .. أجري خلفه .. أصعد .. أمر بين الجالسين .. الوجوه تبدو عابسة ما زال بعضها يقاوم آثار النوم .. ألمح مكاناً ضيقاً على المقعد الأخير .. أقترب منه ، أرمق أحد الجالسين بنظرة فيفسح لي ، أجلس بجواره .. أخرج زفيراً طويلاً ..
( ما زلت كما أنت يا عم عبد الهادي تقاوم كأشجار السنط وأقرانك هجروا القرية .. بعضهم رحل إلى المدينة يعمل في مصانعها والبعض الآخر هاجر لبلاد النفط ، وتنكروا لأيام السنط عندما كانوا يتسلقونه يجمعون "القرض" و" الصمغ" ويقطعون فروعه الصغيرة يخزنونها للشتاء القارس ، الجاموس لم يعد يرعى في بقايا الحقول ويرجع في الظهيرة يلقي بجسمه الضخم في حضن الترعة الحنون تحت شجر السنط . والأولاد ينهشون اللقيمات المحشوة بالجبن وأوراق الحلبة ، تحت فروع السنط المتشابكة .. العصافير الملونة هجرت الأشجار ولم تعد تصدح فوقها .. أقرانك عادوا يشيدون المنازل العإلية ويعلقون فوقها أطباق "الدش" العريضة ، يسهرون حتى الصباح أمام " التلفاز"
وأنت كما أنت تصارع فروع السنط بجلبابك القطني الممزق ، وما زلت تعيش وحدك في بيتك الصغير الذي يشبه عشة الطيور ، تحمل البلاص على كتفك تملؤه من النيل البعيد ثم تعود تعرج بقدميك الحافيتين ، أربعون عاماً وأنت تحتطب .. تفترش "طريق السوق " تبيع حزمات الحطب لأهإلى القرية يقاومون بها برودة الشتاء) .
ذات مرة دفع له أحد الميسورين من أهإلي القرية عشرة جنيهات في حزمتي حطب ولكنه أقسم أنه لن يأخذ إلا حقه ورد له خمسة جنيهات .. أقبل على دكان (مسعود) فاشترى كيلو سكر و"تمنة"شاي صغيرة وأخذ يركض إلى بيته الصغير .
قدم (رفاعي بن حمدان ) من الخارج فأقبل على خاله يلح علبه ليهدم له بيته ويعيد بناءه ولكنه توسل إليه أن يدعه على حاله .
جاءني ابن حمدان وهو يحمل كيساً كبيراً به بطانية (جلد نمر) وصرة صغيرة داخلها قطعة صوف وقطعة شاش وباكو شاي سيلان خشن .. طرقنا بابه الصغير ففتح لنا مرحباً .. وأسرع إلى كنكة الشاي السوداء يغسلها ويملؤها بالماء .. أقبل ناحية (وابور الجاز) وقعد يتمتم مع نفسه .. اقترب مني ابن حمدان وهو يهمس لي : من أين نبدأ ..؟
فشلت محاولاتنا وأعيتنا الحيل في إقناعه بقبول الهدية ، لكننا نجحنا في إقناعه بشرائها بعشرة جنيهات حملنا بها حطباً .. كانت فرحتنا كبيرة لأنه سيرتدي جلباباً من الصوف ويتغطي ببطانية (جلد نمر) بدلاً من لحافه الذي أكلته (القرضة) فجعلته كالشبكة .
رحت أبحث عنه في الصباح فلم أسمع ضربات فأسه ولم أر أي أثر لفروع السنط .. في آخر النهار رحت أهرول ناحية بيته .. كان هناك جمع غفير من أهالي القرية . اقتربت من ابن حمدان فوجدته غارقاً في دموعه .
أبريل 2000م