السبت، 21 مارس 2015

ماذا قال "عمرو بن العاص "في وصف مصر وشعبها ؟- بقلم:الطيب أديب








            ماذا قال "عمرو بن العاص "في وصف مصر وشعبها ؟
                        
بقلم:الطيب أديب 


                        ********************
انتشرت في الآونة الأخيرة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك "ومواقع نت عديدة ،مقولة مزعومة، نسبت للصحابي الجليل عمر بن العاص ،يصف بها مصر وشعبها بأوصاف لاتليق بفاتح وصحابي عاصر نبي الإسلام –عليه الصلاة والسلام -و الذي ،أوصى صحابته بحسن معاملة أهل مصر،وعلى من شأنها ،ووصف جندها بأنهم خير أجناد الأرض،وقد تحرفت هذه المقولة على مر العصور.. وإليكم القول المزعوم ،وأصل رسالة عمرو بن العاص لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما-والمقولة رويت عن شخص مجهول الهوية يصف مصر ، وأول من ذكرها هو المسعودي في كتابه مروج الذهب [ ج1 ص 340 - تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ] حيث يقول : ( ووصف آخر مصر فقال : نيلها عجب، وأرضها ذهب، وخيرها جلب، وملكها سلب، ومالها رغب، وفي أهلها صخب، وطاعتهم رهب، وسلامهم شعب، وحربهم حرب، وهي لمن غلب.)..والمسعودي كما ترى لم يذكر عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه صاحب المقولة ،وإنما نسبها إلى شخص مجهول ، وقد أخذ عنه المقريزي المتوفي سنة 845هـ في خططه ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ) تلك المقولة وذكرها بنصها .
و قد حدث تحريف أيضا في المقولة في زمن المناوي المتوفي سنة 1031هـ ففي كتابه ( فيض القدير ) يذكر أن قائلها هو أحد الحكماء وإن لم يصرح من هو وإن كان يظهر أن هذا الحكيم مجهول الشخصية ! والأهم من ذلك أن المقولة تحورت في زمن المناوي لصيغة أخرى قريبة لما هو مشهور في زماننا ..وقال في كتابه ( فيض القدير ) : ( قال بعض الحكماء : نيلها عجب وترابها ذهب ونساؤها لعب وصبيانها طرب وأمراؤها جلب وهي لمن غلب والداخل إليها مفقود والخارج منها مولود.)
وأما نص رسالة عمرو بن العاص الصحيحة، والتي وردت في كتاب "فتوح مصر وأخبارها "للمؤرخ بن عبدالحكم ، والمؤرخ أبو المحاسن فى كتابه "النجوم الزاهرة فى ملوك مصر القاهرة" ومؤرخين آخرين ، فتقول الرسالة:
"
مصر تربة غبراء"(سهلة الإنبات ) وشجرة خضراء ( كثيرة الشجر الأخضر ) ، طولها شهر وعرضها عشر(لعله يريد أن الماشي يقطعها طولا في شهر وعرضا في عشرة أيام ) ، يكتنفها جبل أغبر ( يحيط بها جبل ضارب إلى السواد ) ، ورمل أغفر ( أبيض مائل إلى الحمرة أو الصفرة ( .يخط وسطها نهر ميمون الغدوات ، مبارك الروحات ( محمود الذهاب والإياب ) ، يجرى بالزيادة والنقصان كجري الشمس والقمر ، له أوان ( يزيد وينقص فى أزمنة معينة ) ، تظهر به عيون الأرض وينابيعها ، حتى إذا عج عجيجه ( عظم ماؤه ) وتعاظمت أمواجه ( فاضت وتسربت فى الأرض) ،لم يكن وصول بعض أهل القرى إلى بعض إلا فى جفاف القوارب وصغار المراكب ، فإذا تكامل في زيادة نكص ( رجع وذهب ) على عقبه كأول ما بدأ في شدته وطمى في حدته ( ونقص في سدة كما زاد بقوة )فعند ذلك يخرج القوم ليحرثوا بطون أوديته وروابيه ( أعالي الأرض و أسافلها ) ، يبذرون الحب ويرجون الثمار من الرب ، حتى إذا أشرق وأشرف ( ظهر وبان ) ، سقاه من فوقه الندى ، وغذاه من تحته الثرى ، فعند ذلك يدر حلابه ويغنى ذبابه ( يعظم محصوله ) ، فإنما هي يا أمير المؤمنين درة بيضاء ، و إذا هي عنبرة سوداء ، وإذا هي زبرجدة خضراء فتعالى الله الفعال لما يشاء ، الذي يصلح هذه البلاد وينميها ويقر قطاها ، أن لا يقبل قول خسيسها في رئيسها ، أن لا يستأدى خراج ثمرة إلا في أوانها ، وأن يصرف ثلث ارتفاعها في عمل جسورها وترعها فهكذا تقرر الحال مع العمال في هذه الأحوال تضاعف ارتفاع المال والله تعالى يوفق فى المبتدا والمآل ".
وقال المؤرخ، أبو المحاسن ،فى "النجوم الزاهرة فى ملوك مصر القاهرة" ، فلما ورد هذا الكتاب على عمر بن الخطاب قال:( لله درك يا ابن العاص لقد وصفت لى خبرا كأنى أشاهده .)وقد ترجم هذا التقرير ونشره إلى عدة لغات أجنبية الكاتب الفرنســـوى الشهير "أكتاف أوزان" فى جريدة "الفيجاور" الفرنسية ووصفه بقوله إنه من أكبر آيات البلاغة فى كل لغات العالم وقال عنه:( إنه من الفرائد فى إيجازه وإعجازه واقتراح وجوب تدريسه فى جميع مدارس المعمورة حتى يتعلموا منه قوة الوصف ومتانة التعبير ، صحة الحكم على الاشياء وكيفية تنظيم الممالك .
وقد ترجم هذا الوصف من مؤرخى الانجليز المؤرخ جبون والدكتور بطلر.



------------------------

نشر بجريدة اللواء الإسلامي..الخميس :10 / 1 /2013م
.

ليست هناك تعليقات: