قصيدة " دعد " رائعة
الشاعر" دوقلة المنبجي "
أعدها للنشر: الطيب أديب
****************
لم يذكر مؤرخو الشعر تاريخا لمولد هذا الشاعر ولا نسبه وظلت قصيدته التي عرفت بـ " اليتيمة " هذه مجهول زمنا طويلا، ويحكي الرواة أن هناك فتاة من الأعراب كانت تسمى "دعــــد "، وقيل بأنها كانت ملكة بأطراف شبه الجزيرة العربية ، وكانت على قدر عال من الفصاحة والبلاغة،وطلبت مهرها قصيدة غزلية لم تشهدها العرب من قبل ، وما أن سمع دوقلة المنبجي بنبأ مهر الملكة وجمالها حتى جادت قريحته بهذه القصيدة التي خلدته بعد أن قتلته ..! وفي القصيدة رسم الشاعر صورة جميلة لمحبوبته التي تخيلها لينال الفوز بها بداية من شعرها ورأسها وحتى اخمص قدميها ، غير أن حظه لم يسعفه حتى بإلقاء قصيدته على " دعد " التي هام الشعراء والملوك بها وتمنوا زواجها..!
ومما يحكى في ذلك أنه أثناء سفر " دوقلة " إلى "دعد" قابله أعرابي في الطريق
سأله الأعرابي : أين وجهتك ..؟
قال "دوقلة" : إني ذاهب لنيل دعد.
قال الأعرابي : مهر دعدٍ قصيدة لم تشهدها العرب.
فقال "دوقلة : ها هي القصيدة معي ..!
وهنا طلب الأعرابي من الشاعر سماع هذه القصيدة ،فأعجبته ..!!
فما كان من هذا الأعرابي إلا أن قتل الشاعر " دوقلة " و حفظ القصيدة متوجها إلى دعد !
وبعد أن دخل وعرفها بنفسه ، قرأ القصيدة ، وهنا أدركت "دعد" بذكائها وبلاغتها بعد سماعها القصيدة أن كاتبها ليس هذا الذي أمامها لأن " دوقلة " الأذكي من قاتله عندما أدرك أن صاحبه لابد قاتله أضاف لقصيدته هذا البيت الذي كشف قاتله وقال فيه :
إن تــتهمــي فـتهامة وطني..أو تــنجــدي ، يكن الهوى نجدُ
و كان معنى البيت أن الشاعر من نجد بينما الأعرابي (السارق) لم يكن نجدياً لأنه في البداية عرف بنفسه و بمكانه الأصلي فصاحت" دعد" قائلة : أقتلوا قاتل بعلي
فقتله رجالها ..!
وسميت هذه القصيدة باليتيمة ، لكونها وحيدة لم يكتب صاحبها غيرها ، وقيل لأنها لا شبيه لها نظرا لقوة سبكها و روعة تشبيهاتها و معانيها وسلاسة صياغاتها و وضح مقاصدها. وهذه هي القصيدة :
هل بالطُّلول لِسائِلٍ رَدُّ؟.....أَمْ هل لها بِتَكَلُّمٍ عَهْـــــــدُ؟
دَرَسَ الجَديدُ جَديدُ مَعْهَدِها .....فَكَأنما هي رَيْطَةٌ جَرْدُ
مِن طولِ ما يَبْكي الغَمامُ على.....عَرَصَاتِها ويُقَهْقِهُ الرعْدُ
وتَلُثُّ سارِيَةٌ وغادِيَةٌ .....ويَكُرُّ نَحْسٌ بعدهُ سَعْــــــــــــــدُ
تَلْقى شآمِيَةٌ يَمانِيَةً.....ولها بِمَوْرِدِ ثَرِّها سَــــــــــــــــــرْدُ
فَكَسَتْ مَواطِرُها ظَواهِرَها .....نَوْراً كأنَّ زَهاءَها بُــــــــرْدُ
تَنْدى فَيَسْري نَسْجُها زَرَداً.....واهِِي العُرى ويَغُرُّه عَقْدُ
فَوَقَفْتُ أسألُها وليس بها......إلاّ المهَا ونَقانِقٌ رُبْدُ
فَتَناثَرَتْ دُرَرُ الشؤونِ على.....خَدِّي كما يَتَناثَرُ العِقْدُ
لَهْفي على دَعْدٍ وما خُلِقَتْ .....إلاّ لِطولِ تلَهُّفي دَعْدُ
بَيْضاءُ قد لبِسَ الأديمُ أديمَ.....الحُسْنِ فَهْوَ لِجِلْدِهاجِلْدُ
وَيَزيِنُ فَوْدَيْها إذا حَسَرَتْ.....ضافي الغَدائرِ فاحمٌ جَعْدُ
فالوَجْهُ مِثْلُ الصُّبْحِ مُبْيَضٌّ .....والشَّعْرُ مِثْلُ الليلِ مُسْوَدُّ
ضِدَّانِ لمّا استَجْمَعا حَسُنا.... والضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ
وجبينُها صَلْتٌ وحاجِبُها .....َخْتُ المَخَطِّ أزَجُّ مُمْـــــــــتَدُ
وكَأنَّها وَسْنى إذا نَظَرَتْ .....أوْ مُدْنَفٌ لَمَّا يُفِقْ بَعْدُ
بِفُتورِ عَيْنٍ مابِها رَمَدٌ......بِها تُداوى الأعيُنُ الرُّمْدُ
وتُجِيلُ مِسْواكَ الأراكِ على ......رَتْلٍ كأنَّ رُضابَهُ شَهْدُ
والجِيدُ مِنْها جِيدُ جُؤْذُرَةٍ ......تَعْطو إذا ما طالَها المَرْدُ
وكأنَّما سُقِيَتْ تَرائبُها......والنَّحْرُ ماءَ الوَرْدِ والخَدُّ
وامْتَدَّ من أعْضادِها قَصَبٌ.....فَعْمٌ تَلَتْهُ مَرافِقٌ مُلْدُ
والمِعْصَمان فما يُرى لهما ......مِنْ نَعْمَةٍ وبَضاضَةٍ نِدُّ
ولها بَنانٌ لو أرَدْت َ له......عَقْداً بِكَفِّكَ أمْكَنَ العَقْدُ
قد قُلْتُ لَمّا أَنْ كَلِفْتُ بها.......واقْتادَني في حُبِّها الوَجْدُ
إنْ لم يَكُنْ وَصْلٌ لَدَيْكِ لنا.....يَشْفي الصَّبابَةَ فَلْيَكُنْ وعْدُ
قد كان أوْرَقَ وصْلُكُم زَمَناً ......فَذَوى الوِصالُ وأوْرَقَ الصَّدُّ
للَّهِ أشْواقٌ إذا نَزَحَتْ .......دارٌ بِنا، ونَبا بِكُمْ بُعْدُ
إنْ تُتْهِمي فتِهامَةٌ وطَني ......أوْ تُنْجِدي إنَّ الهوى نَجْدُ
وزَعَمْتِ أنَّكِ تُضْمِرينَ لنا .....وُدَّاً فهلاّ يَنْفَعُ الوُدُّ
وإذا المُحِبُّ شكا الصُّدودَ ولم ......يُعْطَفْ عَلَيْهِ فقَتْلُهُ عَمْدُ
ونَخُصُّها بالوُدِّ وهي على .......ما لانُحِبُّ ، وهكذا الوَجْدُ
أوَ ما تَرى طِمْرَيَّ بينهما......رَجُلٌ أَلَحَّ بِهَزْلِهِ سُهْدُ
فالسَّيفُ يَقْطَعُ وهْوَ ذو صَدَأٍ .....والنَّصْلُ يَفْري الهامَ لاالغِمْدُ
لاتَنْفَعَنَّ السيفَ حِلْيَتُهُ ......يومَ الجِلادِ إذا نَبا الحَدُّ
ولقد عَلِمْتِ بأنَّني رَجُلٌ .......في الصالحاتِ أروحُ أو أغْدوا
بَرْدٌ على الأدْنى ومَرحَمَةٌ .....وعلى المكارِهِ باسِلٌ جَلْدُ
مُتَجَلْبِبٌ ثَوْبَ العفافِ وقد ......وَصَلَ الحبيبُ وأسْعَدَ السَّعْدُ
ومُجانبٌ فعلَ القبيحِ وقد ......غَفَلَ الرقيبُ وأمْكَنَ الوِرْدُ
مَنَعَ المطامعَ أن تُثَلِّمَني .....أنِّي لِمِعْوَلِها صَفَاً صَلْدُ
فأظلُّ حُرّاً من مَذَلَّتِها ......والحُرُّ حين يُطيعُها عَبْدُ
آلَيْتُ أمدحُ مُقْرِفأً أبداً .....يَبْقى المديحُ ويَنْفَدُ الرِّفْدُ
يهات يأبى ذاك لي سَلَفٌ ......خَمَدوا ولم يَخْمَدْ لهم مَجْدُ
فالجَدُّ كِِنْدَةُ والبَنونَ همُ .....فَزَكا البَنونَ وأنْجَبَ الجَدُّ
فلَئِنْ قَفَوْتُ جميلَ فِعْلِهِمُ ......بِذَميمِ فِعْلي إنّني وَغْدُ
أجْمِلْ إذا حاولتَ في طَلَبٍ ......فالجِدُّ يُغْني عنك لا الجَدُّ
وإذا صبَرْتَ لِجَهْدِ نازِلَةٍ ......فكَأنَّما ما مَسَّكَ الجُهْد
لِيَكُنْ لديكَ لِسائلٍ فَرَجٌ ......إن لم يَكُنْ فَلْيَحْسُنِ الرَّدُّ
وطَريدِ ليلٍ ساقَهُ سَغَبٌ .......وَهْناً إلَيَّ وقادَهُ بَرْدُ
أوْسَعْتُ جَهْدَ بَشاشَةٍ وقِرىً ......وعلى الكريمِ لضَيْفِهِ جَهْدُ
فَتَصَرَّمَ المشْتى ومَرْبَعُهُ ......رحْبٌ لديَّ وعَيْشُهُ رَغْدُ
ثمّ اغتَدى ورداؤهُ نِعَمٌ .......أسْأرْتُها وردائيَ الحَمْدُ
ياليتَ شِعْري، بعد ذلكمُ ......ومَحالُ كلِّ مُعَمَّرٍ لَحْدُ
أصَريعَ كَلْمٍ أم صَريعَ ضَنىً .....أرْدى؟ فليسَ منَ الرّدى بُدُّ
----------------------------
من كتابي ( أروع أشعار الحب العذري)-صدر عن دار المعرفة-القاهرة 2012م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق