الثلاثاء، 17 مارس 2015

مختارات من كتابي : ( عباقرة الغرب لماذا أنصفوا الإسلام؟)






مختارات من كتابي : ( عباقرة الغرب لماذا أنصفوا الإسلام؟)

       1-(كارين آرمسترونج)..الراهبة التائبة:

                       ===============
ولدت "كارين أرمسترونج" Karen Armstrong في 14 نوفمبر 1944 م بإنجلترا لأسرة من أصول ايرلندية، والتحقت بجمعية «يسوع الطفل المقدس» للعمل كراهبة 1962 - 1969ضمن نظام تعليمي وتقدمت في عملها كراهبة مبتدئة ليتم إرسالها إلي كلية «سانت آن» في جامعة «أوكسفورد» حيث درست الأدب الإنجليزي ، تركت أرمسترونج الدير في سني دراستها معترفة بأنها لم تستطع أن تفي بمطالب حياة الرهبانية والتي كانت قد اختارتها بعد تخرجها بدأت في العمل علي إنهاء رسالتها للدكتوراة من جامعة أوكسفورد واستمرت في عملها حتي درست في جامعة لندن ولكن أطروحتها للدكتوراه رفضت علي يد ممتحن خارجي لتترك المجال الأكاديمي قبل أن تكمل رسالتها للدكتوراة. . وفي العام 1976 أصبحت مدرسة للغة الإنجليزية في مدرسة للبنات إلا أن وضعها الصحي حال بينها وبين الانتظام في عملها بالتدريس الذي تركته عام 1981.

وكتبت كارين ارمسترونج مقالات و دراسات غزيرة فى الصحف و المجلات و ورغم تركها لحياة الرهبنةألفت كتبا مهمه في الأديان ومن اشهرها : تاريخ الرب - معركة الرب - الإسلام: تاريخ موجز - الحرب المقدسة- الحروب الصليبية و أثرها على عالم اليوم والذي نال شهره كبيرة و حقق رقما قياسيا فى المبيعات و ناقشت فيه تاريخ الحروب الصليبية و الصراع في الشرق الأوسط في العصر الحديث.

وزارت ارمسترونج «إسرائيل» مرتين أثناء غزو لبنان في 1982 ووقوع مذبحة صبرا وشاتيلا و أثناء الانتفاضة الفلسطينية.
وعن هذا تقول: «لقد صدمني أن أسمع الاسرائيليين لا يدافعون فقط عن قتل الصغار الذي لا حول لهم ولا قوة بل ويعملون أيضاً علي تسويغ هذا الأمر».
وقالت كارين عن هذه الفترة: «كنت في القدس حين سمعت مضيفي من الإسرائيليين يشيرون إلي العرب والدين الإسلامي بأكثر التعبيرات ازدراءً ، لم أصدق - وأنا التي نشأت أستنكر فظائع الهولوكوست - كيف لأناس عانوا الكثير من الاضطهاد أن يتورطوا في مثل هذا النوع من العنصرية».

«كل هذا أتى لينبهني إلى أن أرى جانبا آخر من القصة عبر زيارة مناطق المسلمين في القدس، ومن هنا أدركت أن ثمة شيئا ما تم حذفه عمدا في أوروبا وربما في أمريكا أيضا وأن الشرق الأوسط والإسلام بحاجة لأن يتم تقديمهما بالشكل الصحيح بعد أن لطخت المبالغات والتشويهات صفحات تاريخ الكتابة عنهما في الغرب».

وكنتيجة لزيارتها للقدس واجهت أرمسترونج حالة جادة من التساؤل والأرق تقول: «لقد أقلقني أن وعيا جديدا بدأ يقوض ما خبرته ونشأت عليه من ثقافة غربية متسقة ونظام قيمي ارتبط بتلك الثقافة» ، وتضيف: «إننا نقدم مجتمعنا كمجتمع متسامح ورحيم ومع ذلك فإننا نصدر أحكاما من مواقع شديدة الجهل وتخلو من العقلانية».
وتعرضت ارمسترونج لهجوم عنيف من خصومها نتيجة كتاباتها الجريئة في الصحف وأقوالها في ومنها قولها :
(إن أحداث 11 سبتمبر قسمت الأكاديميين الأمريكيين إلى معسكرين، المعسكر الأول تحت قيادة مارتن كرامر -رئيس دراسات الشرق الأوسط- الذي اتهمني، واتهم أكاديميين مثل جون إسبيسيتو -رئيس الحوار الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون- بأننا نخدع الناس حول الاعتقاد بأن الإسلام ما كان تهديدًا، وحجة كرامر التي ادعاها، ثبت خطؤها فقط بعد بضعة أسابيع من 11 سبتمبر، إذ كتب كرامر مقالة من أبراج عاجية بنيت على الرمل، ألقى باللوم فيها مباشرة على الأكاديميين للإخفاق في توقُّع الأعمال الوحشية، وإسكات الأصوات المعتدلة... وقالت أرمسترونغ :إن كثرة أجهزة الإعلام في الولايات المتّحدة التي حاولت إسكات الأصوات المعارضة بعد 11 سبتمبر، وعلى سبيل المثال كانت قد كُلّفت من قبل مجلة النيويوركر لكتابة مقالة عن الإسلام، لكن المجلة نشرت بحثًا للأكاديمي بيرنارد لويس بدلاً من أن تنشر مقالتي.)

وقالت: ( لقد اعتقدوا أنني "قس للمسلمين"، لأن مقالتي كانت حول النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" كصانع سلام، وهذا لم يناسب جدول أعمالهم بقدر ما تناسبهم مقالة لويس، كل من لويس وكرامر صهاينة أوفياء يكتبون من واقع التحيز المتطرف، لكن الناس بحاجة لمعرفة أن الإسلام دين عالمي، وبأنه لا يوجد شرقي أو معادٍ للغرب جدًّا حوله، وأن الخط الذي انتهجه لويس، بأن الإسلام دين عنيف، أصلاً خط مغرض، ولقد زرت إسرائيل في الثمانينيات فصدمت من مدى العنصرية التي تمارس ضد الفلسطينيين.)

وقالت أيضا : (لو علم السيد المسيح بممارسات الكنيسة اليوم لارتاع، أنا أحب أن أبين له الكثير حول الفاتيكان، حيث المسيحيون لا يستطيعون الاشتراك في كنيسة واحدة، السيد المسيح سيروع من هذا، وعلى شدة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنه سيروع إذا عرف بأن الحادي عشر من سبتمبر عمل باسم الإسلام.)

محمد نبي لزماننا:

بعدما أصدر الكاتب البريطاني الهندي الأصل سلمان رشدي روايته آيات شيطانية والتي أساء فيها للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتسبب في حدوث حالة غضب عمت أرجاء العالم الإسلامي آنذاك، ورصدت ايران جائزة قدرها مليون دولار لمن يقتل سلمان رشدي! وعلي النقيض قام الغرب بأسره ليدافع عن هذا الزنديق. ولم يكتف بهذه الحماية فكافأه علي هذه الرواية بمنحه جوائز عديدة واحتفاء لاحدود له !وزادت حدة المعادة للإسلام والمسلمين في الغرب
ورغم استياء «أرمسترونج» من تلك الفتوي التي أصدرها الإمام الخميني والتي قضت بإباحة دم «سلمان رشدي» وناشر كتابه ولكن في الوقت ذاته لم يرق لها الطريقة التي تم بها التعامل مع قضية سلمان رشدي ومناقشتها في إنجلترا فتقول: «هؤلاء الصليبيون الجدد يدافعون عن الحق في حرية التعبير ولكن من موقع الجهل، لقد احتجوا علي حرق آيات شيطانية كما لو كان المسيحيون لم يشعلوا حريقا من قبل في كتب اختلفوا مع محتواها ، لقد اضطررت أن أسأل أصدقائي لماذا قوانين الكفر والتجديف لا تطبق- في بريطانيا - إلا فيما يتعلق بالمسيحية فقط».

ومن هنا قررت ارمسترونج دراسة حياة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأثمرت دراستها عن كتابها الرائع "محمد -صلى الله عليه وسلم- نبي لزماننا "وأصدرته في العام 1992م ،والذي شرحت فيه سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- وأدث دويا هائلا في الغرب .

ويضم الكتاب خمسة فصول. الفصل الأول مكة والثاني الجاهلية والثالث الهجرة والرابع الجهاد والخامس السلام.
ومن أهم ما ذكرته الكاتبة أن محمدا كشخصية نموذجية له دروس مهمة ليس للمسلمين فحسب ولكن للعالم الغربي أيضا وأن حياته كانت قائمة علي الجهاد الذي لا كلل فيه ضد الطمع والظلم والغطرسة والكبرياء.

وتقول الكاتبة "إن كلمة الجهاد لا تعني الجهاد المقدس وإنما تعني الكفاح. فلقد كافح محمد كفاحا مريرا لجلب السلام إلى بلاد العرب التي مزقتها الحرب. ولقد أدرك محمد أن بلاد العرب كانت في نقطة تحول وأن الطريقة القديمة في التفكير لن تكفي لارساء قواعد السلام في بلاد العرب، لذا حمل علي نفسه وعاتقه جهودا خارقة مبدعة لإخراج حل جديد كلي لبلاد العرب."
وأضافت:" إن محمدا كان يمتلك عبقرية عميقة مكنته من إقامة الدين وتأسيس عادات وتقاليد ثقافية لم تستند علي السيف ولكن بنيت علي السلام والمصالحة المبينة. "

وتمنت الكاتبة أن يوجد في هذا الزمان رجال يعملون مثل أعمال محمد ولذلك كان عنوان كتابها محمد نبي لزماننا.

                                  ******************

 2-  الصحفي السويسري" روجيه دوباسكويه" :

                              =================

عاش "روجيه دو باسكويه "في سويسرا وعمل في مجال الصحافة .
ونشأ في بيئة مسيحية بروتستانتية، غير أنه تأثر بالفلسفة الحديثة، ولا سيما الفلسفة الوجودية، فقد كان يعتقد أن الأديان معتقدات خرافية.
وعندما اشتغل بالصحافة بدأ يسافر إلى أكثر من بلد... فسافر إلى السويد، وعمل بها مراسلاً صحفيّاً في نهاية الحرب العالمية الثانية لأكثر من خمس سنوات، لكنه اكتشف أن الناس تعساء، برغم التقدم والرخاء الذي يعيشون فيه، على حين اكتشف عكس ذلك عندما سافر إلى بعض الدول الإسلامية في الشرق، وجد المسلمين -برغم فقرهم الشديد - يشعرون بسعادة أكثر، وأن حياتهم لها معنى،و هذه الملاحظة جعلته يفكر مليّاً في معنى الحياة ويتأملها من خلال هذين النموذجين... ماجعله يتساءل:
" لماذا يشعر المسلمون بسعادة تغمر حياتهم برغم فقرهم وتخلفهم؟!.. ولماذا يشعر السويديون بالتعاسة والضيق برغم سعة العيش والرفاهية والتقدم الذي يعيشون فيه؟! حتى بلدي (سويسرا) كنت أشعر فيه بنفس ما شعرت به في السويد، برغم أنه بلد ذو رخاء، ومستوى المعيشة فيه مرتفع!..وأمام هذا كله وجدت نفسي في حاجة لأن أدرس ديانات الشرق.. وبدأت بدراسة الديانة الهندوكية فلم أقتنع كثيراً بها، حتى بدأت أدرس الدين الإسلامي فشدني إليه أنه لا يتعارض مع الديانات الأخرى، بل إنه يتسع لها جميعاً... فهو خاتم الأديان... وهذه حقيقة كانت تزداد يقيناً عندي باتساع قراءاتي، حتى رسخت في ذهني تماماً بعد ما اطلعت على مؤلفات الفيلسوف الفرنسي المعاصر "رينيه جينو" الذي اعتنق الإسلام. لقد اكتشفت كما اكتشف الكثيرون ممن تأثروا بكتابات الفيلسوف الفرنسي الذي أسلم وتحولوا إلى الإسلام... اكتشفت أن الإسلام يعطي معنى للحياة، على عكس الحضارة الغربية التي تسيطر عليها المادية، ولا تؤمن بالآخرة، وإنما تؤمن بهذه الدنيا فقط".
وهكذا فقد تأثر "روجيه دوباسكييه" بفكر الفيلسوف الفرنسي "رينيه جينو" الذي أسلم، مثلما تأثر سابقاً بزياراته للدول الإسلامية، فبرغم الظروف المادية السيئة في تلك الدول فإن أهلها يتمتعون بقدر كبير من الإيمان الراسخ في نفوسهم، ولا توجد عندهم أزمات أخلاقية كالتي توجد بالغرب، وجعلت كثيراً من الشباب ينتحر أو يهرب من الحياة بتعاطي المخدرات، مما يعني في نظرهم أن الحياة ليس لها معنى أو قيمة... ويصل إلى نتيجة يعبر عنها بقوله:
"لقد تبينت أن الإسلام بمبادئه يَبسُط السكينة في النفس... أما الحضارة المادية فتقود أصحابها إلى اليأس، لأنهم لا يؤمنون بأي شيء... كما تبينت أن الأوربيين لم يدركوا حقيقة الإسلام، لأنهم يحكمون عليه بمقاييسهم المادية".
وأكثر ماجذب "دوباسكويه" للإسلام هو شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأن محمداً رسول الله... فقد اكتشف أن الإسلام دين متكامل، وكل شيء فيه مرتبط بالقرآن والسنة.. لأن الإنسان يمكن أن يتأمل في هذه الشهادة طيلة الحياة.
فالشهادة تقول: لا إله إلا الله.. وهذا يعني أنه ليس هناك حقيقة نهائية ودائمة سوى الله.. أما الفلسفة الحديثة فتقول:" إنه ليس هناك حقيقة سوى هذه الدنيا، ذلك ما تقوله الفلسفة الوجودية وغيرها.."
وأما السنة النبوية الشريفة فقرأها أيضاً، وتأثر بما فيها من حِكَم وبيان دقيق.وعندما عاد "دوباسكويه إلى سويسرا لم يتأخر في إشهار إسلامه هو وزوجته الهولندية .وراح ينشر مقالته عن الإسلام في صحف عدة منها : "جورنال دى جنيف".. وصحيفة "جازيت دي لوزان"، وهي صحف غير إسلامية.. كما ترجمت بعض الكتب التي تتناول موضوعات إسلامية.. ودافعتُ في كتاباتي كلها عن قضايا الإسلام كمسلم وَجَدَ طريقه في دين الإسلام."
،وكتب عددا من الكتب أشهرها -إظهار الإسلام- صحوة الإسلام - الإسلام بين التقاليد والتطور - وحصل على جائزة جمعية المؤلفين الفرنسيين عام 1988م . وفي كتابه "إظهار الإسلام " الذي صدرعن مكتبة الشروق بالقاهرة عام 1994م وجاء في 190 صفحة من القطع الصغير . وتكون من مقدمة وسبعة فصول ، وقد كتب المؤلف هذا الكتاب لإظهار حقيقة الإسلام لمواطنيه السويسريين وللمتحدثين بالفرنسية ، ثم ترجم الكتاب في كمبردج إلى الإنجليزية وترجمه الناشر إلى العربية .
و في مقدمة كتابه يقول المؤلف:
" يستحوذ عالم الإسلام في السنوات الأخيرة للقرن العشرين على اهتمام الغرب ، ورغم طفرات الحضارة الحديثة احتفظ الإسلام بالقيم التقليدية التي هجرها الغرب ، وبقى عالم الإسلام في نواح كثيرة عالم الإيمان والصلاة ". واختتم مقدمته بقوله : " لا يمكن لأحد يدرك وجود حقيقة باقية لا نهائية . فوق عالم اليوم الفاني " إلا يكترث بالإسلام ، إظهار الإسلام يعني إثبات الدليل على أمكان العيش في ظلال الحقيقة على المستويات الفردية والاجتماعية عيشة كاملة بلا تنازل أو حلول وسط .
أزمة الحضارة الحديثة :
وفي الفصل الأول من الكتاب تحدث " دوبا سكويه " عن أزمة الحضارة الحديثة والأزمات التي تزلزل العالم الحديث ، وفشل الفكر الحديث في تقديم تعريف متماسك للحالة الإنسانية بسبب الجهل الكامل عن سبب ميلاد الإنسان وعيشه وموته . وتحدث عن الانقلابات الاجتماعية والإفساد الأخلاقي والفراغ الروحي الذي يعيشه العالم الغربي يقول المؤلف " لا يقنع الإنسان بالحضارة العصرية لأنها تقدم له كل شيء إلا الجوهر ، ولذلك تبدو خالية المعنى ، لم ينشغل الإنسان جدا ولهوا من قبل مثل اليوم ولم يصبه مثل ملل اليوم . فشلت الإنجازات الهائلة للعلم والتكنولوجيا سواء كانت متمثلة في التلفزيون أو غزو الفضاء أو تقدم الطب في أن تقدم له العلاج الشافي للسأم . ألهى الإنسان في عصر الآلة وانشغل أو تشتت ذهنه وفشل في الوصول إلى الإسلام الحقيقي للروح الذي يتحقق بإنجاز المهمة السامية التي خلق الإنسان من أجلها ... ويؤكد المؤلف أن نظرة الإنسان المسلم للكون تختلف تماما عن نظرة الرجل العصري الذي لا يهمه إلا إشباع حاجاته وطموحاته كما يقول في الفصل الثاني : " ينظر الرجل العصري إلى العالم كشيء يتصرف فيه كيف يشاء ليشبع حاجاته أو طموحاته أو أهوائه المستقبلية . فطالما لم يتبين أي أهمية له ، أو ما يستدعى احترامه . أليس هو لقيط الصدفة ، وبعد تجريده من أي قداسة يستغله وينتهكه ويدمر انسجامه ويثير الأزمات البيئية المغلقة ، وعلى النقيض يرى المسلم في الخلق عملا إلهيا مجيدا تمثل عنده الأكوان . بما تحويه علامات ناطقة بنظام علوي لا يوجد في الطبيعة شيء سخيف أو متروك للصدفة ، فلكل شيء أهميته التي يبصرها كل من لم تغشاه عقلية وانحيازات الحضارة المادية .."
الهجرة طاعة لله ورسوله :
وفي الفصل الثالث من الكتاب، تناول المؤلف البعثة النبوية ومولد خاتم النبيين- صلى الله عليه وسلم - ونشأته ورحلة الإسراء والمعراج وهجرة الرسول وصحابته من مكة إلى المدينة ، واختيار المسلمين للهجرة كتقويم إسلامي لهم يقول المؤلف : " كان من الممكن بدء التقويم الإسلامي بميلاد النبي= صلى الله عليه وسلم - أو بدء نزول الوحي عليه ، ولكن فضلت الهجرة لأنها تمثل تأسيس مدينة الله على الأرض ، ومنذ وصول النبي إلى المدينة بدأت حياة الأفراد والمجتمع في الامتثال للنظام الإلهي ، حتى أصبحت المدينة دار السلام – المثال المهم للمسلمين في القرون آلاتية .. ضرب المسلمون المثل في تخليهم عن بيوتهم وأموالهم وأوضاعهم في مكة لطاعة الله واتباع رسوله .."
تعدد زوجات الرسول :
وفي نهاية الفصل الثالث تطرق المؤلف لجوانب من حياة الرسول الخاصة التي تعرضت في الغرب لتشويه وسوء فهم ، وبخاصة فيما يتعلق بزواج الرسول كما يقول المؤلف : " عندما تزوج النساء وأحبهن اتهمه كثير من الغربيين بالغرق في الشهوات واللذة الجنسية وهذا الاتهام غير صحيح وتكذبه الحقائق ويجب أن يتذكر المرء أولا أنه ظل أكثر من عشرين سنة زوجا مثاليا لسيدة تكبره بخمسة عشر عاما أنجب منها ستة أبناء لم يعش منهم إلا فاطمة التي تزوجت عليا وأنجبا ذرية محمد . عاش بعد وفاة خديجة بعدة سنوات دون زواج في طهر وعفة حتى تزوج في الثالثة والخمسين، وعن مغزى تعدد زوجات الرسول يقول المؤلف : " بعيدا عن البعد الأخلاقي لتعدد الزوجات ، يجد المرء مغزى في تعدد زوجات الرسول كمؤسس لديانة عالمية عظمى ، كان عليه أن يسن طريقة الحياة للأجيال التالية ، وينظم العلاقات الزوجية والأسرية بين أفراد المجتمع ويضع قواعد الاستقرار ، تلك التي لم يستطع أحد بعد أربعة عشر قرنا أن يأتي بأفضل منها .
معجزات عديدة :
وفي الفصل الرابع تحدث المؤلف عن المعجزات في الإسلام ، التي حيرت العالم الغربي وأول هذه المعجزات القرآن الكريم ، وما يزخر به من معرفة وحكمة ، وثاني المعجزات الفتوحات الإسلامية الحاسمة السريعة التي أذهلت العالم واستعصت على فهم الكثير من الغربيين وعيبهم للإسلام انتشاره بالسيف كما يروج كثيرون منهم يقول المؤلف : " عاب المسيحيون على الإسلام انتشاره بالسيف ، وأن الجهاد ترجموه – الحرب المقدسة – مغامرات تجارية وإجبار الشعوب على التحول للإسلام وللرد على ذلك يجب أولا أن نذكر أن لكل ديانة قدرا من العسكرية يظهر كبيرا أو صغيرا تبعا للظروف التاريخية وبخاصة عندما يتعرض معتنقوه للتهديد ، ديانة إلهية تبين سبيل الحقيقة والفلاح كل البشر ، لا يمكنها تجنب عداوات تضطر لمحاربتها حتى لا يقضى عليها – حتى البوذية لها جيوشها وحروبها ، فيما لم تتردد المسيحية مطلقا في شن الحروب ضد كل من وقف في طريقها .." ويشير المؤلف لأخلاقيات القتال عند المسلمين وتسامحهم مع عدوهم يقول : " أمر النبي بأن لا يجهزوا على جريح ولا يقتلوا النساء ولا الصبيان ولا من يعتزل القتال ونهى عن الضرر والمثلة وعلى سنته قال أبو بكر لجنوده ستجدون قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فدعوهم وما حسبوا أنفسهم له ولا تقتلن أمرآة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ، بل أن النبي أمر في القتال باجتناب الوجه فقد بذل وسعه لتخفيف ويلات الحرب . اكتسب المسلمون تعاطف البلاد المفتوحة التي رأت تسامحهم وقيودهم في استخدام القوة ، ورحبت بهم بلاد كثيرة فاتحين .." وعن انتشار الإسلام اليوم في العالم يقول المؤلف : " ولكن الذي يجب الانتباه إليه ، أن الإسلام – خاتم التنزيل الإلهي – ينتشر في وقتنا الحالي بالعناية الإلهية ويعطي لعصرنا المظلم أشعة الشمس الأخيرة ليوم ذابل ، بعيدا عن الرحمة الإلهية التي تنادى البشر حتى نهاية العالم " وفى الفصل الخامس تحدث المؤلف عن الوحدة التي هي المفهوم الرئيس في الإسلام لأن الإسلام يشمل كل أمور الحياة ، ثم شرح المؤلف أركان الإسلام الخمسة بلغة مبسطة تناسب الغربيين .
تفرد الحضارة الإسلامية:
وفي الفصل السادس أشار المؤلف لتماسك الحضارة الإسلامية وتفردها في استيعاب ودمج الأقاليم المختلفة كما يقول : " استقرت الخلافة الإسلامية في دمشق وبعد عقود قليلة ، شاد هؤلاء العرب البدائيون حضارة جديدة من أروع الحضارات وازهي حضارات التاريخ كشفت عن قدرة غير عادية في استيعاب ودمج أقاليم مختلفة وحافظت على درجة كبيرة من تماسكها وتجانسها ، لتطفو مثل كل ما يبعث من الإسلام – متمركزة على مبدأ التوحيد ..." وأشار المؤلف لتقدم العرب في علوم الطب والطبيعة والرياضيات والكيمياء وغيرها في الوقت الذي كانت تعيش فيه أوروبا في ظلام وعداء للعلماء . وعن تقدم العرب في علم الفلك وجو التحرر العلمي الذي ساد البلاد الإسلامية يقول المؤلف : ومن المثير للاهتمام أن البيروني توصل لدوران الأرض حول الشمس قبل ( كوبرنيكس ) بخمسة قرون ولم تقم ضده ردود الفعل العدائية التي حدثت في أوروبا ضد نفس النظرية الحديثة القديمة .
من هو الأصولي ؟
وفي الفصل السابع والأخير كتب روجيه دوبا سكويه عن الزهد فى الإسلام وحكمه الخلفاء الراشدين في إدارة أمور الدولة وعدلهم الذي عم الأرض وظهور الفلسفة الإسلامية . وفي هامش الفصل الأخير أشار " دوبا سكويه " لمعنى كلمة أصولي التي يفسرها الغرب على هواه يقول المؤلف :" تعني كلمة أصولي عند فقهاء المسلمين ذلك الفقيه العالم الذي يبحث في القواعد لاستمداد الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية ، فعلم أصول الفقه من أدق وأجل العلوم الشرعية ، وتعني عند العامة من يتمسك بأصول الدين وليس معروفا على وجه التحديد ماذا يقصد الغرب بكلمة أصولي ، إلا أن الشواهد تنطق أن الإعلام والسياسة الغربية يربطان بشكل أو بآخر بين كلمة أصولي " ومتطرف " وإرهابي بالنسبة للمسلمين فقط وغالبا ما يكون القاسم المشترك في ذلك لمن يصطدم بمصالح أصحاب النفوذ والسيطرة على الإعلام والسياسة الغربية ولم نسمع عن إرهاب أو أصولية صربية أو سيخية ، أو إسرائيلية أو يهودية عند الإعلام والساسة الغربيين ".


*********************

3- "اللورد هدلي".. "رحمة الله فاروق" :


=================

ولد "اللورد هدلي" سنة 1855 م، وكان من أكبر شخصيات، ومن أرفعهم حسبا في بريطانيا، ودرس الهندسة في كامبردج ، وأعلن إسلامه سنة 1913 م، وأصبح اسمه الشيخ "رحمة الله الفاروق". وأصدر كتاب "إيقاظ الغرب للإسلام" و كتاب "رجل غربي يصحو فيعتنق الإسلام" .و كان لإسلام "اللورد هدلي" أكبر الأثر في تقوية الحركة الإسلامية في بريطانيا، إذْ لم تكد تمر أشهر قليلة على إعلان إسلامه حتى اقتفى أثره أكثر من أربعمائة بريطاني وبريطانية، بعد ما استرعى انتباههم ما تَحَدَّثَ به عن محاسن الإسلام، فأقبلوا على قراءة الكتب الإسلامية، ودخلوا في دين الله أفواجاً.
ومن الطريف أن يترأس "رحمة الله فاروق" الجمعية البريطانية الإسلامية، ويتصدى لهجمات الحاقدين على الإسلام، وينبري بقلمه مدافعاً عن دين الله، راداً الكيد إلى نحور الكائدين الذين يحاولون تصوير الإسلام بأنه دين الشهوات.
وقال هيدلي معبرا عن ساعة اعتناقه الإسلام:
-(لا ريب إن أسعد أيام حياتي هو اليوم الذي جاهرت فيه على رؤوس الأشهاد بأنني اتخذت الإسلام ديناً).
-(فإذا كنت قد ولدت مسيحياً ، فهذا لا يحتم عليّ أن أبقى كذلك طوال حياتي ، فقد كنت لا أعرف كيف أستطيع أن أؤمن بالمبدأ القائل : إذا لم تأكل جسد المسيح ، وتشرب دمه ، فلن تنجو من عذاب جهنم الأبدي !
إنني بإسلامي أعتبر نفسي أقرب إلى النصرانية الحقة مما كنت من قبل ، ومن يعادي النصرانية الحقة فلا أمل فيه … )
-( لم أولد في الخطيئة ، ولست مولود سخط وغضب ، ولا أحب أن أكون مع الخاطئين..)
-( لقد تملك الإسلام لبي حقا ، وأقنعني نقاؤه ، فأصبح حقيقة راسخة في عقلي وفؤادي ، اذ التقيت بسعادة وطمأنينة ما رأيتهما قط من قبل..)
-( بما أننا نحتاج إلى نموذج كامل ليفي بحاجاتنا في خطوات الحياة ، فحياة النبي تسد تلك الحاجة ، فهي كمرآة نقية تعكس علينا الأخلاق التي تكون الإنسانية، ونرى ذلك فيها بألوان وضاءة.. خذ أي وجه من وجوه الآداب ، تتأكد بأنك تجده موضحاً في إحدى حوادث حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.)
رحلته للهداية:
وبرغم مولد اللورد هدلي في بيت نصراني عريق، فإنه لم يشعر يوماً في قرارة نفسه بإيمان صادق نحو النصرانية، بل طالما راودته الشكوك في صحة التعاليم التي تروج لها الكنيسة، والطقوس التي يمارسها آباء الكنيسة في صلواتهم وأقداسهم، وطالما توقف بفكره عن أسرار الكنيسة السبعة.إذ لم يستطع ـ وهو الإنسان المثقف الواعي ـ أن يهضم فكرة أكل جسد المسيح عليه السلام أو شرب دمه كما يتوهم النصارى وهم يأكلون خبز الكنيسة ويشربون نبيذها، كذلك لم يقتنع بفكرة فداء البشرية التي هي من أسس عقيدة الكنيسة… وشاء قَدَرُ الله أن يسافر إلى منطقة "كشمير" التي يدين أهلها بالإسلام، وذلك من أجل مشروعات هندسية، حيث كان يعمل ضابطاً في الجيش البريطاني ومهندساً… وهناك أهدى إليه صديق ضابط بالجيش نسخة من المصحف الشريف حين لمس انبهاره بسلوكيات المسلمين، وكان هذا الإهداء بداية تعرفه الحقيقي على الإسلام، إذْ وجد في كتاب الله ما يوافق طبيعة نفسه ويلاءم روحه… وجد أن مفهوم الإلوهية ـ كما جاء في القرآن الكريم ـ يتوافق مع المنطق والفطرة، ويتميز ببساطة شديدة، كما لمس في الدين الإسلامي سمة التسامح، تلك السمة التي لم يشعر لها وجوداً بين أهله من النصارى الذين عُرِفُوا بتعصبهم ضد الديانات الأخرى، بل ضد بعضهم بعضاً، فالكاثوليك يتعصبون ضد البروتستانت، وهؤلاء بدورهم يتعصبون ضد الأرثوذكس، الذين لا يقلون عن الطائفتين السابقتين تعصباً ضدهما، فكل فريق يزعم أن مذهبه هو الحق وما عداه باطل، ويسوق في سبيل ذلك من الحجج أسفاراً يناقض بعضُها بعضاً.
ولم يكن بوسع اللورد هدلي إلا أن يميل للإسلام بعد اطلاعه على ترجمة معاني القرآن الكريم، وما قرأه عن العقيدة الإسلامية، وأبطال الإسلام الأوائل الذين استطاعوا أن يصيروا أعظم قواد العالم، وبقوة عقيدتهم أسسوا حضارة عظيمة ازدهرت لقرون طويلة، في وقت كانت أوربُا ترزح تحت وطأة الجهل وطُغيان البابوات والكرادلة. كما وجد اللورد هدلي في الشريعة الإسلامية وسيرة الرسول محمد –صلى الله عليه وسلم-وصحابته ومن تلاهم من التابعين القدوة الحسنة التي تروّى روحه العطشى للحق، ولم يصعب عليه أن يدرك أن الإسلام عقيدة وسلوك.
وبرغم اقتناع اللورد هدلي بالإسلام فإنه ظل قرابة عشرين عاماً يكتم إسلامه لأسباب عائلية، حتى كتب له الله أن يعلنه على الملأ في حفل للجمعية الإسلامية في لندن.. وكان مما قاله:
-(إنني بإعلاني إسلامي الآن لم أَحِدْ مطلقاً عمَّا اعتقدته منذ عشرين سنة، ولمّا دعتني الجمعية الإسلامية لوليمتها سُرِرْتُ جداً، لأتمكن من الذهاب إليهم وإخبارهم بالتصاقي الشديد بدينهم، وأنا لم أهتم بعمل أي شيء لإظهار نبذي لعلاقتي بالكنيسة الإنجليزية التي نشأت في حجرها، كما أني لم أحفل بالرسميات في إعلان إسلامي، وإن كان هو الدين الذي أتمسك به الآن..)
- (إن عدم تسامح المتمسكين بالنصرانية كان أكبر سبب في خروجي عن جامعتهم، فإنك لا تسمع أحداً من المسلمين يذم أحداً من أتباع الأديان الأخرى، كما نسمع ذلك من النصارى بعضهم في بعض..).
-(إن طهارة الإسلام وسهولته وبُعده عن الأهواء والمذاهب الكهنوتية ووضوح حجته ـ كانت كل هذه الأمور أكبر من أثَّرَ في نفسي، وقد رأيت في المسلمين من الاهتمام بدينهم والإخلاص له ما لم أَرَ مثله بين النصارى، فإن النصراني يحترم دينه ـ عادة ـ يوم الأحد، حتى إذا ما مضى يوم الأحد نسي دينه طول الأسبوع… وأما المسلم فبعكس ذلك، يحب دينه دائماً، سواء عنده أكان هو الجمعة أو غيره، ولا يفتر لحظة عن التفكير في كل عمل يكون فيه عبادة الله.)
-ومما أثار دهشة "رحمة الله فاروق" أخلاق النبي –صلى الله عليه وسلم- وقدرته على العفو في معاملته لأسري المشركين في معركة بدر الكبرى ، ملاحظًا فيها ذروة الأخلاق السمحة والمعاملة الطيبة الكريمة ، وتساءل قائلا : ( أفلا يدل هذا علي أن محمدًا لم يكن متصفًا بالقسوة ولا متعطشاً للدماء ؟ كما يقول خصومه ، بل كان دائمًا يعمل علي حقن الدماء جهد المستطاع ، وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها إلي أقصاها ، وجاءه وفد نجران اليمني بقيادة البطريق ، ولم يحاول قط أن يكرههم علي اعتناق الإسلام فلا إكراه في الدين ، بل أمتهم علي أموالهم وأرواحهم ، وأمر بألا يتعرض لهم أحد في معتقداتهم وطقوسهم الدينية ) . 
  ========================
مختارات من كتابي :( عباقرة الغرب لماذا أنصفوا الإسلام؟)-صدر عن دار المعرفة-القاهرة 2012م 

ليست هناك تعليقات: