الثلاثاء، 17 مارس 2015

مختارات من كتابي : ( أجمل الحكايات العربية).



مختارات من كتابي : ( أجمل الحكايات العربية).


    1-  الخليفة أبوبكر الصديق يقدم إقرار ذمته المالية:

****************************                     

تولى أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) أمر المسلمين بعد انتقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الرفيق الأعلى وقال خطبته الشهيرة والموجزة في وقتها البليغةوالغنية في معانيها :( أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قومٍ إلا عمّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله).   

***
وبدأ الصديق -رضي الله عنه- ينفذ السياسة التي رسمها لدولته وجعل عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه - أمين الأمة - مسئولا عن بيت مال المسلمين (وزير المالية) وجعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على القضاء (وزيرا للعدل) وجعل كبار مستشاريه من الصحابة الكاتبين كعلي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم.


****
كان أبو بكر رجلا تاجرا، يغدو كل يوم إلى السوق يحمل الأثواب على كتفيه فيبيع ويشتري فلقيه عمر وأبو عبيدة عند السوق فسألاه: أين تريد يا خليفة رسول الله ؟رد أبو بكر بتلقائية :السوق. 

فقالا له: ما هذا الذي تصنعه وقد وليت أمر المسلمين ؟
أجاب أبو بكر: فمن أين يأكل عيالي ؟
فقال له عمر وأبو عبيدة: سنفرض لك راتبا.

وبالفعل تم الإقرار على أن يكون راتب الخليفة أبي بكر السنوي 250 دينارا وشاة يؤخذ له من بطنها ورأسها وأكارعها . 
وجد أبو بكر أن هذا الراتب لا يكفي بيته ولا عياله فقرر أن يخرج لسوق البقيع للبيع والشراء كعهده سابقا .
***
وفي أحد الأيام وجد عمر بن الخطاب مجموعة من النساء متجمعات أمام بيت أبي بكر الصديق ليقضي بينهن في أمر فانطلق عمر يبحث عن أبي بكر حتى وجده في سوق البقيع، فأخذ عمر بيد أبي بكر قائلا له:

 تعالى هاهنا نظرإليه أبو بكر وقال له: لا حاجة لي في إمارتكم ! رزقتموني ما لا يكفيني ولا يكفي عيالي. 
قال له عمر : إنا نزيدك.
رد أبو بكر : 300 دينار والشاة كلها.
قال عمر : أما هذا فلا.
واحتكم أبو بكر وعمر إلى علي بن أبي طالب فرأى علي أن لأبي بكر ما أراد من زيادة الراتب و صعد أبو بكر منبر المسجد النبوي ونادى في الناس: أيها الناس إن رزقي كان خمسين ومائتي دينار وشاة يؤخذ من بطنها ورأسها وأكارِعُها وإن عمر وعلياً كمّلا لي ثلاثمائة دينار والشاة أفرضيتم؟
رد الحاضرون: اللهم نعم قد رضينا.
***
من خطبة الصديق يتضح أنه خاطب المجتمعين بـ " ياأيهاالناس "،ولم يقل :يا أيها المسلمون ،وكان يقصد جميع الرعيةدون تمييز - ديني أو عرقي- وهذا النظام يطلق 

عليه أهل السياسة في عصرنا "الدولة المدنية".
. -الحاكم له حق الطاعة في حال عدله ولا طاعة لحاكم عند إساءته لرعيته
لابد للحاكم من تقديم إقرار ذمته الماليةعند توليه الحكم، وعلى الجهات الرقابية محاسبته في حال تضخمت ثروته
-لابد من راتب يكفي الحاكم ليتفرغ لأمور الرعية  
-ليس للحاكم حق في الحصول على نسبة في الصادرات وتجارة السلاح وغيره مادام قد سرضي براتبه وبدلاته.

 رحم الله الصديق والفاروق وصحابة النبي –رضوان الله عليهم-الذين نشروا العدل  والحريات فدانت لهم الدنيا شرقها وغربها،ولم تغرهم تيجان كسرى و قيصر.



***********************


2-القائد الرومي الشهيد:


في السنة الخامسة عشرة للهجرة التقى جيش المسلمين بجيش الروم في معركة اليرموك ، وبينما تدور رحى المعركة تقدم أحد قادة الروم واسمه " جرجة بن بوديها"  الأرمني، وكان تحت قيادته خمسون ألف مقاتل من الروم .
نادى جرجة بأعلى صوته : يا خالد .. ؟
فتقدم خالد بن الوليد ملبيا النداء وأصغى إليه .
قال جرجة : يا خالد ؛ أخبرني فأصدقني ولا تكذبني ، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع المسترسل بالله .
يا خالد : هل أنزل الله على نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمته ؟
قال خالد : لا ما ثمة شيء من هذا .
قال جرجه : فيم سميت سيف الله إذن ؟
قال خالد : إن الله بعث فينا نبيه ، فدعانا فنفرنا منه ، ونأينا عنه جميعا ، ثم إن بعضنا صدقه وتبعه ، وبعضنا كذبه وباعده ، وكنت فيمن كذبه وباعده ، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا ، فهدانا به وبايعناه فقال لي صلى الله عليه وسلم  : يا خالد أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين  "، ودعا لي بالنصر .
جرجة : إلام تدعون ؟
خالد : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله والاقرار بما جاء من عند الله عز وجل .
جرجه : فمن لم يجبكم ؟
خالد : يؤدون الجزية ، ونحميهم مما نحمي منه أنفسنا وذرارينا وأموالنا .
جرجه : فإن لم يعطوها ؟
خالد : نؤذنهم بالحرب ثم نقاتلهم .
جرجه : فما منزلة من يجيبكم ويدخل في هذا الأمر اليوم ؟
خالد : منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا ، شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا .
جرجه : هل لمن دخل في دينكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر والذخر ؟
خالد : نعم وأفضل .
جرجه : كيف يساويكم وقد سبقتموه ؟
خالد : إنا قبلنا هذا الأمر ، وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا ، تأتيه أخبار السماء ، ويخبرنا بالكتاب ، وحق لمن رأى ما رأينا ، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع ،وإنكم أنتم  لم تروا مارأينا ،ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج ، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا .
جرجه : بالله يا خالد ، لقد صدقتني ولم تخادعني ؟
خالد : تالله لقد صدقتك ، وان الله ولي ما سألت عنه .
وهنا انفرجت أسارير جرجه وانشرح قلبه للنور الجديد ، وأسرع مع - سيف الله المسلول - يعلمه الإسلام ، وأدخله خيمته فتطهر ، ونطق بالشهادتين وصلى به خالد ركعتين ، وقاتل مع المسلمين جيش الروم ، وانتصر المسلمون نصرا مؤزراً ، وبينما سيف الله المسلول ، رضي الله عنه ، يتفقد أرض المعركة ، وجد " جرجه " على الأرض مدرجا في دمائه ، وقد لقي ربه مع شهداء المسلمين .

******************** 
                        
       3- ما أجمل الحلال :

بينما رجل صالح اسمه " ثابت بن إبراهيم " يمشي في الطريق ، سقطت عليه تفاحة من بستان ،  فالتقطها وأكل نصفها ، ثم توقف متذكرا أنها ليست من حقه فذهب إلى البستاني قائلا له : سامحني نسيت وأكلت نصف هذه التفاحة فخذ نصفها الآخر.
قال البستاني : البستان ليس ملكي ، وإنما هو ملك سيدي .
قال ثابت : وأين سيدك حتى أذهب إليه واستسمحه ؟
قال البستاني : بينك وبينه مسيرة يوم وليلة .
قال ثابت : والله لأذهبن إليه مهما بعد الطريق .. لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال : " كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به " .
ولما بلغ دار صاحب البستان حكا له حكايته .
فنظر إليه صاحب البستان وقال له :  لا أسامحك إلا بشرط واحد .
قال : ما هو ؟
قال : أن تتزوج أبنتي .. ووصفها له .
قال ثابت : قبلت خطبتها ، وسأتاجر فيها مع ربي .
وعندما تمت إجراءات الزواج ودخل ثابت على زوجته ، ألقى عليها السلام ، فردت عليه ووقفت ووضعت يدها على يده .
فتعجب من أمرها وقال في نفسه : ردت السلام إذن ليست بكماء ، وسمعت السلام إذا ليست صماء ، وقامت واقفة إذا ليست مقعدة، ومدت يدها إذا ليست عمياء .
فقال لها : إن أباك أخبرني أنك صماء ، بكماء ، مقعدة ، عمياء ، ولم أر ما أخبرني به .
قالت : إن أبي أخبرك بأني عمياء ، وأنا عمياء عن الحرام ، لأن عيني لا تنظر إلى ما حرم الله ، صماء عن كل ما لا يرضى الله ، بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله ، مقعدة لأن قدمي لم تحملني إلى ما يغضب الله . ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه البدر ، ودخل بها ورزقه الله منها بمولود ملأ الأرض علما وهو الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه .
===================



4-علموا أولادكم الأدب:

 تولى الحجاج شؤون العراق،وأمر مرؤوسه أن يطوف بالليل، فمن وجده بعد العشاء ضرب عنقه،فطاف ليلة فوجد ثلاثة صبيان فأحاط بهم وسألهم:من أنتم، حتى خالفتم أوامر الحجاج؟
 فقال الأول:
 أنا ابن الذي دانت الرقاب له
 ما بين مخـزومها وهاشــمها
 تأتي إليه الرقـاب صاغــرة
 يأخذ من مـــالها ومن دمها
 فأمسك عن قتله، وقال: لعله من أقارب الأمير
 وقال الثاني:
 أنا ابن الـذي لا ينزل الدهر قدره
 وإن نزلت يـــوماً فـسوف تعود
 ترى الناس أفواجاً إلى ضـوء ناره
 فمنهم قيام حولـــها وقــعـود
 فتأخر عن قتله وقال: لعله من أشراف العرب
 وقال الثالث:
 أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه
 وقوّمها بالســــيف حتى استقامت ركاباه
 لا تنفك رجلاه عنـــهما
 إذا الخيل في يوم الكـــريهة ولّت
 فترك قتله وقال: لعله من شجعان العرب.
 فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج، فأحضرهم وكشف عن حالهم، فإذا الأول ابن حجام،والثاني ابن فوّال، والثالث ابن حائك ،فتعجب الحجاج من فصاحتهم، وقال لجلسائه:
 علّموا أولادكم الأدب، فلولا فصاحتهم لضربت أعناقهم ،ثم أطلقهم وأنشد:
 كن ابن من شئت واكتسب أدبـا..يغنيـــك محـمـوده عن النسبب
 إن الفتى من يقـول هـاأنـذا..ليس الفتى من يقول كان أبي.

*********************

 5- عندما قالت السيدة الأولى:"ماكنت لأطيعه حيا وأعصه ميتا ".

هي فاطمة بنت أميرالمؤمنين عبد الملك بن مروان، و أخت أربعة من فحول الخلفاء :الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك
 و زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقا وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غربا وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة وزوجة خليفة وأخت أربعة من الخلفاء خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات ويقال : إن من هذه الحلي قرطي ماريه اللذين اشتهرا في التاريخ وتغنى بهما الشعراء وكانا وحدهما يساويان كنزا نفيسا.
 وكانت عروس عمر بن عبد العزيز في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأدسم المأكولات وأندرها وأغلاها وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر لاستطاعت ذلك .
 ولكن زوجها اقترح عليها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج من هذه البهرجة،فاستجابت له واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآليء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين .
 وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئا فجاءها أمين بيت المال وقال لها : إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي وإني اعتبرتها أمانة لك وحفظتها لهذا اليوم وقد جئت أستأذنك في إحضارها .
 فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين ثم قالت قولتها الشهيرة :(وما كنت لأطيعه حيا واعصيه ميتا ) وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة في الوقت الذي كانت في أشد الحاجة إلى دريهمات وبذلك كتب الله لها ولزوجها الخلود في الدارين، فهل يتعظ الحكام والرعية؟
 ====================================
من كتابي ( أجمل الحكايات العربية)-صدر عن دار المعرفة-القاهرة 2012م.

ليست هناك تعليقات: