الأربعاء، 23 ديسمبر 2009

قصيدة " بانت سعاد "

قصيدة " بانت سعاد " .. رائعة الشاعر العربي الفذ : "كعب بن زهير"

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشاعرهو: كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني ، وهو شاعر مخضرم ، أدرك الجاهلية والإسلام ، ويحكي عنه صاحب الأغاني أن كعبا أنشد الشعر وهو صغير ، وقد أعده أبوه الشاعر الفذ ، زهير بن أبي سلمى ، الذي تنبأ له بمكانة عظيمة ، ومما يحكى عنهما ،أنه ذات مرة كان زهير جالسا مع صديقه الشاعر النابغة الذبياني، و أن زهير قال بيتا من الشعر ثم عجز عن إتمام عجزه وعجز أيضا صديقه النابغة الذبياني عن إتمامه وبينما هما في هذا الموقف مر بهما كعب ، فقال زهير اجز .. قال كعب : ماذا ؟ ، قال زهير :
تراك الأرض أما مت خفا وتحيا ما حييت بها ثقيلا
نزلت بمستقر العز منها ( ............ )
فما كان من كعب إلا أن أتم البيت قائلا :
نزلت بمستقر العز منها ** فتمنع جانبيها ألا يزولا
فقال زهير مجسدا سعادته بابنه الذي دربه واعده : أنت والله ابني ..!
مناسبة القصيدة " بانت سعاد "
أسلم بجير - أخو كعب - فغضب كعب لإسلامه وقال أبياتا من الشعر هجا فيها النبي ، قائلا :
ألا أبـلغا عني بُجَيرَا رِسَـالةً **على أي شيء ويبَ غيرُك دَلَكَا
على خُلُقٍ لم تلفِ أمَّاً ولا أبـاً **عليه ولم تدركْ عليه أخـاً لَكَا
سَقَاكَ أبو بكرٍ بِكأسٍ ** وأنهلك المأمـونَ منها وَعَلـَّكَا
فلما بلغت الأبيات رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدر دمه ، فقال : من لقي كعباً فليقتله ، فأشفق بجير على أخيه ، وكتب إليه يذكر له أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أهدر دمه ، ويطلب منه أن ينجو بنفسه من الهلاك ، ومما كتبه له : اعلم أنَّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا قبل ذلك ، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل.. ولبى كعب رسالة أخيه وأسرع إلى المسجد ونطق بالشهادتين أمام النبي – صلى الله عليه وسلم – فعفا عنه ، وأنشد كعب قصيدته التي بدأها بالغزل . وما إن انتهى منها حتى أكرمه النبي بأن أعطاه بردته الشريفة ، لذلك سميت القصيدة بالبردة
.


قصيدة " بانت سعاد "

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بـانَتْ سُـعادُ فَـقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ * مُـتَـيَّمٌ إثْـرَها لـم يُـفَدْ مَـكْبولُ
وَمَـا سُـعَادُ غَـداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا * إِلاّ أَغَـنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
هَـيْـفاءُ مُـقْبِلَةً عَـجْزاءُ مُـدْبِرَةً * لا يُـشْتَكى قِـصَرٌ مِـنها ولا طُولُ
تَجْلُو عَوارِضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابْتَسَمَتْ * كـأنَّـهُ مُـنْـهَلٌ بـالرَّاحِ مَـعْلُولُ
شُـجَّتْ بِـذي شَـبَمٍ مِنْ ماءِ مَعْنِيةٍ * صـافٍ بأَبْطَحَ أضْحَى وهْومَشْمولُ
تَـنْفِي الـرِّياحُ القَذَى عَنْهُ وأفْرَطُهُ * مِـنْ صَـوْبِ سـارِيَةٍ بِيضٌ يَعالِيلُ
أكْـرِمْ بِـها خُـلَّةً لـوْ أنَّهاصَدَقَتْ * مَـوْعودَها أَو ْلَوَ أَنَِّ النُّصْحَ مَقْبولُ
لـكِنَّها خُـلَّةٌ قَـدْ سِـيطَ مِنْ دَمِها * فَـجْـعٌ ووَلَـعٌ وإِخْـلافٌ وتَـبْديلُ
فـما تَـدومُ عَـلَى حـالٍ تكونُ بِها * كَـما تَـلَوَّنُ فـي أثْـوابِها الـغُولُ
ولا تَـمَسَّكُ بـالعَهْدِ الـذي زَعَمْتْ * إلاَّ كَـما يُـمْسِكُ الـماءَ الـغَرابِيلُ
فـلا يَـغُرَّنْكَ مـا مَنَّتْ وما وَعَدَتْ * إنَّ الأمـانِـيَّ والأحْـلامَ تَـضْليلُ
كـانَتْ مَـواعيدُ عُـرْقوبٍ لَها مَثَلا * ومــا مَـواعِـيدُها إلاَّ الأبـاطيلُ
أرْجـو وآمُـلُ أنْ تَـدْنو مَـوَدَّتُها * ومـا إِخـالُ لَـدَيْنا مِـنْكِ تَـنْويلُ
أمْـسَتْ سُـعادُ بِـأرْضٍ لايُـبَلِّغُها * إلاَّ الـعِتاقُ الـنَّجيباتُ الـمَراسِيلُ
ولَـــنْ يُـبَـلِّغَها إلاّغُـذافِـرَةٌ * لـها عَـلَى الأيْـنِ إرْقـالٌ وتَبْغيلُ
مِـنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرَى إذا عَرِقَتْ * عُـرْضَتُها طـامِسُ الأعْلامِ مَجْهولُ
تَـرْمِي الـغُيوبَ بِعَيْنَيْ مُفْرَدٍ لَهِقٍ * إذا تَـوَقَّـدَتِ الـحَـزَّازُ والـمِيلُ
ضَـخْـمٌ مُـقَـلَّدُها فَـعْم مُـقَيَّدُها * فـي خَلْقِها عَنْ بَناتِ الفَحْلِ تَفْضيلُ
غَـلْـباءُ وَجْـناءُ عَـلْكوم مُـذَكَّرْةٌ * فــي دَفْـها سَـعَةٌ قُـدَّامَها مِـيلُ
وجِـلْـدُها مِـنْ أُطـومٍ لا يُـؤَيِّسُهُ * طَـلْحٌ بـضاحِيَةِ الـمَتْنَيْنِ مَهْزولُ
حَـرْفٌ أخـوها أبـوها مِن مُهَجَّنَةٍ * وعَـمُّـها خـالُها قَـوْداءُ شْـمِليلُ
يَـمْشي الـقُرادُ عَـليْها ثُـمَّ يُزْلِقُهُ * مِـنْـها لِـبانٌ وأقْـرابٌ زَهـالِيلُ
عَـيْرانَةٌ قُذِفَتْ بالنَّحْضِ عَنْ عُرُضٍ * مِـرْفَقُها عَـنْ بَـناتِ الزُّورِ مَفْتولُ
كـأنَّـما فـاتَ عَـيْنَيْهاومَـذْبَحَها * مِـنْ خَـطْمِها ومِن الَّلحْيَيْنِ بِرْطيلُ
تَـمُرُّ مِـثْلَ عَسيبِ النَّخْلِ ذا خُصَلٍ * فـي غـارِزٍ لَـمْ تُـخَوِّنْهُ الأحاليلُ
قَـنْواءُ فـي حَـرَّتَيْها لِـلْبَصيرِ بِها * عَـتَقٌ مُـبينٌ وفـي الخَدَّيْنِ تَسْهيلُ
تُـخْدِي عَـلَى يَـسَراتٍ وهي لاحِقَةٌ * ذَوابِــلٌ مَـسُّهُنَّ الأرضَ تَـحْليلُ
سُمْرُ العَجاياتِ يَتْرُكْنَ الحَصَى زِيماً * لـم يَـقِهِنَّ رُؤوسَ الأُكْـمِ تَـنْعيلُ
كــأنَّ أَوْبَ ذِراعَـيْها إذا عَـرِقَتْ * وقــد تَـلَـفَّعَ بـالكورِ الـعَساقيلُ
يَـوْماً يَـظَلُّ به الحِرْباءُ مُصْطَخِداً * كـأنَّ ضـاحِيَهُ بـالشَّمْسِ مَـمْلولُ
وقـالَ لِـلْقوْمِ حـادِيهِمْ وقدْ جَعَلَتْ * وُرْقَ الجَنادِبِ يَرْكُضْنَ الحَصَى قِيلُ
واشَـدَّ الـنَّهارِ ذِراعـا عَيْطَلٍ نَصِفٍ * قـامَـتْ فَـجاوَبَها نُـكْدٌ مَـثاكِيلُ
نَـوَّاحَةٌ رِخْـوَةُ الـضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَها* لَـمَّا نَـعَى بِـكْرَها النَّاعونَ مَعْقولُ
تَـفْرِي الُّـلبانَ بِـكَفَّيْها ومَـدْرَعُها * مُـشَـقَّقٌ عَـنْ تَـراقيها رَعـابيلُ
تَـسْعَى الـوُشاةُ جَـنابَيْها وقَـوْلُهُمُ * إنَّـك يـا ابْـنَ أبـي سُلْمَى لَمَقْتولُ
وقــالَ كُـلُّ خَـليلٍ كُـنْتُ آمُـلُهُ * لا أُلْـهِيَنَّكَ إنِّـي عَـنْكَ مَـشْغولُ
فَـقُـلْتُ خَـلُّوا سَـبيلِي لاَ أبـالَكُمُ * فَـكُلُّ مـا قَـدَّرَ الـرَّحْمنُ مَفْعولُ
كُـلُّ ابْـنِ أُنْثَى وإنْ طالَتْ سَلامَتُهُ * يَـوْماً عـلى آلَـةٍ حَـدْباءَ مَحْمولُ
أُنْـبِـئْتُ أنَّ رَسُـولَ اللهِ أَوْعَـدَني* والـعَفْوُ عَـنْدَ رَسُـولِ اللهِ مَأْمُولُ
وقَـدْ أَتَـيْتُ رَسُـولَ اللهِ مُـعْتَذِراً * والـعُذْرُ عِـنْدَ رَسُـولِ اللهِ مَقْبولُ
مَـهْلاً هَـداكَ الـذي أَعْطاكَ نافِلَةَ * الْـقُرْآنِ فـيها مَـواعيظٌ وتَـفُصيلُ
لا تَـأْخُذَنِّي بِـأَقْوالِ الـوُشاة ولَـمْ * أُذْنِـبْ وقَـدْ كَـثُرَتْ فِـيَّ الأقاويلُ
لَـقَدْ أقْـومُ مَـقاماً لـو يَـقومُ بِـه * أرَى وأَسْـمَعُ مـا لـم يَسْمَعِ الفيلُ
لَـظَلَّ يِـرْعُدُ إلاَّ أنْ يـكونَ لَهُ مِنَ * الَّـرسُـولِ بِــإِذْنِ اللهِ تَـنْـويلُ
حَـتَّى وَضَـعْتُ يَـميني لا أُنازِعُهُ * فـي كَـفِّ ذِي نَـغَماتٍ قِيلُهُ القِيلُ
لَــذاكَ أَهْـيَبُ عِـنْدي إذْ أُكَـلِّمُهُ * وقـيـلَ إنَّـكَ مَـنْسوبٌ ومَـسْئُولُ
مِـنْ خـادِرٍ مِنْ لُيوثِ الأُسْدِ مَسْكَنُهُ * مِـنْ بَـطْنِ عَـثَّرَ غِيلٌ دونَهُ غيلُ
يَـغْدو فَـيُلْحِمُ ضِـرْغامَيْنِ عَيْشُهُما * لَـحْمٌ مَـنَ الـقَوْمِ مَـعْفورٌ خَراديلُ
إِذا يُـسـاوِرُ قِـرْناً لا يَـحِلُّ لَـهُ * أنْ يَـتْرُكَ الـقِرْنَ إلاَّ وهَوَمَغْلُولُ
مِـنْهُ تَـظَلُّ سَـباعُ الـجَوِّضامِزَةً * ولا تَـمَـشَّى بَـوادِيـهِ الأراجِـيلُ
ولا يَــزالُ بِـواديـهِ أخُـو ثِـقَةٍ * مُـطَرَّحَ الـبَزِّ والـدَّرْسانِ مَأْكولُ
إنَّ الـرَّسُولَ لَـسَيْفٌ يُـسْتَضاءُ بِهِ * مُـهَنَّدٌ مِـنْ سُـيوفِ اللهِ مَـسْلُولُ
فـي فِـتْيَةٍ مِـنْ قُـريْشٍ قالَ قائِلُهُمْ * بِـبَطْنِ مَـكَّةَ لَـمَّا أسْـلَمُوا زُولُوا
زالُـوا فـمَا زالَ أَنْكاسٌ ولا كُشُفٌ * عِـنْـدَ الِّـلقاءِ ولا مِـيلٌ مَـعازيلُ
شُــمُّ الـعَرانِينِ أبْـطالٌ لُـبوسُهُمْ * مِـنْ نَـسْجِ دَاوُدَ في الهَيْجَا سَرابيلُ
بِـيضٌ سَـوَابِغُ قـد شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ * كـأنَّـها حَـلَقُ الـقَفْعاءِ مَـجْدولُ
يَمْشونَ مَشْيَ الجِمالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمْ * ضَـرْبٌ إذا عَـرَّدَ الـسُّودُ التَّنابِيلُ
لا يَـفْـرَحونَ إذا نَـالتْ رِمـاحُهُمُ * قَـوْماً ولَـيْسوا مَـجازِيعاً إذا نِيلُوا
لا يَـقَعُ الـطَّعْنُ إلاَّ فـي نُحورِهِمُ * ومـا لَهُمْ عَنْ حِياضِ الموتِ تَهْليلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السبت، 12 ديسمبر 2009

فصل من رواية "رائحة الطين" .. بقلم : الطيب أديب


صدرت عن دار وعد للنشر- القاهرة 2008م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



مع مطلع الشتاء ينتشر الفلاحون في الأراضي يسحب الواحد منهم بقرته ويربطها في المحراث يحرث الأرض ويرش البذور ويسحب البقرة لتجر قطعة من جذوع النخل المعبدة مربوطة في عنق البقرة بينما نحن الصغار نعتلي" الدحديحة "تدوس البذور في الأرض , وفي اليوم التالي يربط عم عبد العال بقرته في الساقية فتدور تسحب المياه من أسفل مندفعة عبر القواديس الفخارية تملأ الجداول تروي الحقول وعلي أنين الساقية الشجي يتغنى عم عبد العال :
ابكي علي ونوحي نوحي .
علي وليدك في الخلا مطروحي .
ابكي علي وخططي بالعودي .
علي الزمان اللي ما راضي يعودي .

وتدور البقرة على نغماته وخرير المياه حتى إذا ما ارتوت الأرض توقفت البقرة وعم السكون .
وعند نضج السنابل يهرول الحصادون بمناجلهم الحادة يجزون أعواد القمح ويربطونها خلف ظهورهم ويجمعونها في كومة مرتفعة وهم يغنون :
زمانا قلبنا وعدلنا .
وادي ريحة الجنة فاحت .
لما جينا ناخد عدلنا .
لقينا الأيام ولت وراحت .

في اليوم التالي تتجمع الفتيات يحملن المقاطيف على رؤوسهن (يصيفن) يجمعن الفاقد من سنابل القمح في الغيطان , يفركنه في البيوت ويقبل بعضهن إلى دكان الحاج حماد يشترين به سكر وشاي ولبان دكر .
تعود البقرة تدور علي لحن النورج فوق جرن القمح , تدرسه فتختلط غلات القمح بالتبن , ويجمعه الفلاح كومة واحدة حتى إذا ما هبت الرياح يذري عم عبد العال الجرن بالمذراية فاصلاً غلاله عن تبنه وهو يغني :
أمي وأبوي سيبوني صغاري .
وقعدت أقلب في الهموم محتاري .
أمي وأبوي لبسوني حرامي.
خافوا علي م السموم الحامي .

وكلما امتلأت صوامع القمح بالحبوب غنى الفلاح وعندما تعلو شونة التبن تطرب البقرة .
في الصيف تحوم الطائرات الصغيرة حول غيطان القطن ترش السموم , وعلى الرغم من تحذيرات مسئولي الجمعية الزراعية للفلاحين بإبعاد حيواناتهم , إلا أن صرخات الفلاحين كانت ترتفع بين جنبات الغيطان تعلن عن هلاك بقرة أو حمار تسلل للغيطان فأصابته السموم , وعندما ينضج القطن وتفقس لوزته الصغيرة ويغطي اللون الأبيض عيدان القطن تغلق المدارس أبوابها في أجازة قصيرة , ويشارك التلاميذ في جني القطن ويزن الفلاح حصيلة القطن المجني بالرطل , نفرح بالقروش القليلة بينما ترتفع الزغاريد في جنبات القرية ويطوف المزمار شوارعها يزف البنات للشباب .
*******


دخان كثيف ينبعث من عيني الفرن الضيقتين وفوهتها الواسعة بينما أمي جالسة أمامها تجر "الوقيد" - المكون من مخلفات النباتات والأشجار- تقبض على حفنة منه وتلقي بها في الفتحة السفلية إلى جوف الفرن فتشتعل وتخرج النيران من عيني الفرن , وعندما يهدأ دخان الفرن , تستدير أمي واقفة تحمل الدوار الصغيرة المرصوص فوقها قطع العجين التي خمرتها حرارة الشمس , أتسابق وأختي الصغيرتين نقرب لها دوار العجين , بينما هي تمسك عصى طويلة يعلوها قطعة قماش مبللة تدخلها في فوهة الفرن تمسح صاجها ، وتسحب المطرحة الخشبية إلى جوارها وتمسك الدورة بيدها اليمنى وتنقل قطعة العجين على رأس المطرحة وترصها في آخر الفرن حتى إذا امتلأت صاجة الفرن سدت فوهتها بدورة فارغة وبعد دقائق تسحب الخبز من فوهة الفرن باللوح فيخرج طازجاً وترصه على "برش الخوص " الواسع , أسرع إلي حجرة المطبخ اسحب صحناً صغيراً وأهز بلاص العسل الأسود وأميله على الصحن فيمتلأ عن آخره ملطخا أرضية المطبخ ببقايا عسل لم أفلح في محو أثرها , أسحب برطمان الطحينة أهزه جيدا وافتحه وأميله على الصحن فيكسو اللون الأبيض سطح الصحن , أنادي على منال فتأتي تحمل رغيفاً وتجلس معي على مصطبة السلم تشاركني وجبتي المفضلة .
فرحتي بالبيت الجديد والمدرسة لم تعوضني عن المكان القديم , فأصبحت أتردد على بيت جدي ، ففيه كنت أشعر بالدفء ونبض الحياة يتدفق في جنبات البيت المزدحم بالأطفال والحريم وطقوس المودة وحكايات جدتي التي كانت تحكيها لي قبل النوم عن الزناتي خليفة وأبو زيد الهلالي والأمير والأميرة وعندما كنت افتح عيني اسمعها وتشعر بالتعب تحكي لي حكاية "أمنا الغولة " فيرتعش جسدي وأنام , في الصباح أصحو فأجد فراشي مبللاً فتضربني أمي , استغيث بجدتي فتنهرها وتتركني أمي .

فسحاية الجامع والجميزة والعصافير تشقشق فوقها كل صباح ونحن نهرول تحتها نلعب ونمرح .. أغاني النحاسين الغرباء وهم يلمعون الحلل والطشوت النحاسية لأهالي القرية .. مرور عازف الربابة والطبل البلدي والسعدية بهذه الساحة التي يرتفع غربها ضريح جدنا الشيخ " فرحان" ويذبح الناس عنده الذبائح المنذورة ويتبرك به المسافرون والحريم الراغبات في الحمل , ومن عنده ينطلق موكب عيد الأضحى كل عام .. الجمال المزينة تعلوها التوابيت .. الخيالة يمتطون الخيول.. وعندما يعزف المزمار ويضرب الطبال وتكتمل الوفود ينطلق الموكب إلى جبانة الشيخ حسين في صحراء نقادة ويتخلل الطريق وقفات على أثرها يرقص واحد من الشباب تارة أو أحد الخيالة بحصانه تارة أخرى على نغمات المزمار ، وينطلق الموكب حتى إذا ما وصل لحافة الصحراء التحم الموكب بمواكب العيد القادمة من القرى الأخرى مكونين ملحمة كبيرة تلتقي خلالها الوفود الشبابية يتبادلون التهاني ويأكلون الفول النابت والحلاوة الهريسة , عند حافة الجبانة الشرقية , ويتجه الموكب خلف القبور المجاورة حتى إذا ما اقترب من سفح الجبل تجد الخيول مجالاً فسيحاً في حلقة المرماح يتسابق فيها الخيالة على نغمات المزمار .
وما إن تنتهي حلقة المرماح حتى تبدأ حلبة التحطيب ، ويقترب المتفرجون يلفون دائرة حول فرقة المزمار ، ويتقدم لاعبو العصى اثنين اثنين , يمسك كل منهما "شوبته" ويضربها على الأرض عدة ضربات حتى يقترب أحدهما من الآخر ويظلا يضربان بعضهما ويصدان الضربات حتى إذا انتصر أحدهما صفق له الجمهور وخرج المغلوب ودخل غيره .
***
سنة كاملة مرت على زواج جارتنا نعيمة بنت عبد المريد ، فأرسلتني أم نعيمة لبيت بدرية العايقة , ولما دخلت البيت فكت أم نعيمة طرف منديلها وأخرجت ربع جنيه ورق وربطته في طرف إيشارب نعيمة وناولته لبدرية فلفته ودسته في صدرها المنتفخ وقالت :
- البنت مقصودة .. عين وصابتها، يا رب يفك ضيقتها من يوم م جوزت وهما وراها
- ربنا ينتقم منهم .
- حتى جوزها ربطوه يوم دخلته وقعد أسبوع مش قادر يتهنا بعروسته .
- همي شوية يا بدرية عشان تلحقي الرفاص وتيجي بدري من قوص .

وعندما جاءت بدرية العايقة فكت طرف "الإيشارب" , وأخرجت قطعة صغيرة مكسوة بالجلد , وناولتها لأم نعيمة وبعد ثلاثة أسابيع جاءت بدرية مبكراً وخرج ثلاثتهن أم نعيمة ونعيمة وبدرية يركضن إلى جبانة الشيخ حسين وتحججت أم نعيمة بزيارة قبر أبيها الذي لم تقرأ الفاتحة على روحه منذ ثلاث جمع كاملة , وراحت نعيمة تخطي فوق القبور بعدها تسلل ثلاثتهن مع جمع من الحريم الراغبات في الحمل , وتوجهن إلى " بير العين " عند دير "مار جرجس " وبعد مشقة المشي فوق رمال الصحراء الساخنة وصل الركب " لبير العين " وبدأت الطقوس باللف حول " البير" وتناوبن على إلقاء قطع الخبز والحلوى في فوهة " البير" حتى جاء الدور على نعيمة فهبطت على درج البير الترابي فاغتسلت من مياهها القريبة وملأت " قزازة" كبيرة لتغتسل بها في بيت زوجها .
كانت طقوس " بير العين " مصدراً لارتزاق سكان المنطقة المقفرة الذين كانوا يجدون أنيساً لهم في عزلتهم يدر عليهم خبزاً وحلوى وذبائح تذبح عند فوهة البئر على نغمات المزمار عندما تصادف عملية الاغتسال حمل واحدة من زائرات البئر , غير أن نعيمة لم تعد مرة أخرى بأي هدايا " لبير العين" وفارقتها الأفراح بعد أن تزوج عليها زوجها من نعمات بنت عمه .


الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009

طفلي من ميلاده حتى بلوغه-الطيب أديب










مختارات من كتابي

(طفلي –خطوة خطوة- من ميلاده حتى بلوغه) - طبعه ثانية -صدرت عن دار المعرفة للنشر- القاهرة 2012م.وصدرت طبعته الأولى بعنوان (طفلي -يوم بيوم-من ميلاده حتى بلوغه ) عن دار اليقين للنشر- العام 2009م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
( هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ).  " غافر :  67 "
                                                       صدق الله العظيم
**********
 إهداء
 إلى كل الآباء والمربين،
 الذين يهمهم  أمر أطفالهم .
****************
                                 مقدمة:
ارتفعت الصيحات شرق العالم وغربه ، تطالب بحسن تربية ألأطفال وتوجيههم على أسس تربوية سليمة ،خاصة بعد انتشار الغزو الثقافي ، وانشغال الآباء  عن الأبناء لسبب أو لآخر فتركوهم فريسة للثقافة الوافدة ، وأصدقاء السوء ، والأمراض  الاجتماعية والبدنية التي تنهش ذاكرتهم وأجسادهم البريئة الطاهرة .
ولأن أطفالنا فلذات أكبادنا وحملة الراية في المستقبل ، وجب علينا إعدادهم إعداداً تربوياً وثقافياً وصحياً وبدنياً على أسس منهجية صحيحة قبل فوات الأوان .
وفي هذا الكتاب حاولت جاهداً تبسيط المعلومات بأسلوب يساعد الآباء والمربين على كيفية التعامل مع الطفل منذ ولادته وحتى بلوغه مرحلة الرشد ، " خطوة .. خطوة ". أ أدعو الله العلي القدير أن يكون الكتاب وجبة دسمة لكل الآباء والمربين الذين يهمهم أمر أطفالهم .
                                                                                                                                                                     المؤلف : الطيب أديب  
********************
                                                                                                       خطـــــــــــــوة :(1)
مفهوم  الطفولة والتربية:

الطفولة تعني فترة الحياة التي تبدأ منذ ميلاد الإنسان حتى بلوغه مرحلة الرشد ، وقسم علماء النفس مرحلة الطفولة إلي مراحل عدة ،ويختلف تحديد كل مرحلة منها باختلاف بيئة وثقافة المجتمعات عن بعضها ، أو باختلاف الجنس " ذكور وإناث "  وهذه المراحل هي :
*المرحلة الجنينية:شهور الحمل.
*مرحلة المهد: من الميلاد إلى سنتين.
*مرحلة الطفولة المبكرة: من 2 إلى 6 سنوات.
*مرحلة الطفولة الوسطى: من 6 إلى 9 سنوات.
*مرحلة الطفولة المتأخرة: من 9 إلى 12 سنة.
*مرحلة المراهقة المبكرة: من 12 إلى 15سنة.
*مرحلة المراهقة المتوسطة: من 15 إلى 18 سنة.
وقد جاءت لفظة الطفل في القرآن الكريم أربع مرات ، اثنتان منها تشيران إلى مرحلة الطفولة المبكرة،قال تعالى :( هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً )  " سورة غافر : 67"
وجاءت في موضع واحد للمرحلة المتوسطة من عمر الطفل فقال تعالى: ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) " سورة النور ، آية :31"
وفي مرحلة الطفولة المتأخرة وردت كلمة طفل في سورة النور قال عز من قائل:  ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ) " سورة النور آية :59 "
وأما في المعاجم اللغوية فوردت لفظة طفل بمعنى الصغير، ففي لسان العرب لابن منظور :" الطفل والطفلة الصغيران والطفل الصغير من كل شيء والطفل بالفتح الرخص الناعم ، والجمع أطفال وطفول"، وفي المصباح المنير جاءت بمعنى"الولد الصغير من الإنسان والدواب ويكون الطفل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والجمع" .
واهتمت العلوم الإنسانية الحديثة بدراسة الطفولة تربية وتعليماً وتثقيفاً وذلك بإخضاع الأطفال في مراحل نموهم المتدرجة لمناهج وأدوات التفكير العلمي من أجل فهم الطفولة ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، وظهرت نتيجة لذلك علوم جديدة مثل علم النفس الارتقائي وعلم اللغة النفسي إضافة إلي تطور ميادين علم الاجتماع الذي أصبح معنيا بدراسة الطفل فظهر علم اجتماع نمو الطفل .
وأولت دول العالم المتقدم الطفل اهتماماً كبيراً هذا العصر بعد أن وعت قيمة الطفولة ومكانتها السامية وأدركت أن هذه المرحلة العمرية أهم مراحل الحياة، في الوقت الذي يتعرض فيه الأطفال لاعتداءات جسدية ونفسية تفوق طاقتهم وتغتال براءتهم في ظل انشغال الآباء عن الأبناء، خاصة بعد الثورة التكنولوجية الهائلة التي نتج عنها طوفان الانترنت والمد الفضائي الجارف بما يحملانه من  ثقافات وافدة تهدد القيم والمبادئ والأخلاق ، وتعرضهم للخطر ، إضافة لحرمان  عدد كبير من أطفال العالم من أبسط حقوقهم في التنشئة السليمة والتعليم الكافي والغذاء والمسكن والرعاية الصحية والتثقيف واللعب.  ومتى صلح هؤلاء الأطفال صلحت المجتمعات وأصبحت أكثر أمناً واستقراراً . لأن هؤلاء الأطفال صغار الحاضر، هم أنفسهم صناع المستقبل ، وحملة الراية الذين سيديرون دفة الحياة، وعلي أكتافهم تنهض الأمم.

* مفهوم التربية :
يجيء لفظ التربية في اللغة في مادة " ربب " ففي لسان العرب " لابن منظور" ( الرب يطلق في اللغة على المالك والسيد والمدبر والمربي والقيم والمنعم .. ورببت القوم سستهم أي كنت فوقهم )، أما مفهوم التربية عند الفلاسفة كأرسطو وأفلاطون فيعني إعداد العقل السليم في الجسم السليم .
 وتعني التربية في المفهوم الإسلامي،التربية في أحسن معانيها كما يقول البيضاوي في تفسيره:" مأخوذة من الرب وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا وقد وصف الله تعالى نفسه بالرب للمبالغة"
ويقول الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات:
"الرب في الأصل: التربية وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام. ومن معاني التربية تنمية قوى الإنسان الدينية والفكرية والخلقية تنمية متسقة متوازنة".
وعلى هذا الأساس تكون التربية في مجال تنشئة الأولاد عملية بناء ورعاية وإصلاح شيئا فشيئا حتى التمام أي المضي مع النشء بالتدرج من الولادة حتى سن البلوغ، والتربية بهذا المعنى فريضة إسلامية في أعناق جميع الآباء والأمهات والمعلمين لغرس الإيمان وتحقيق شريعة الله وهي مسؤولية وأمانة لا يجوز التخلي .وتنحصر مسئولية تربية الأطفال -  في الدرجة الأولى - على الوالدين ، قال تعالى : (يوصيكم الله في أولادكم ) " النساء : 11"  .
وروى النسائي أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال : ( إن الله سائل كل عبد عن ما استرعاه حفظ ذلك أم ضيعه ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ) .
وقال الإمام ابن القيم : "وصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم.".. قال الله تعالى: ( وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً(
ثم يقول: "فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا كما عاتب بعضهم ولده على العقوق فقال: "يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا."
و مسؤولية الآباء والأمهات نحو أبنائهم لا يمكن أن تعوض بغيرهم وقد أثبتت الدراسات الميدانية أن غالب انحراف الناشئين يرجع إلى انحراف المربي والقيم على التربية، وصدق القائل:
 وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا**عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وَما دانَ الفَتى بِحِجىً وَلَكِن** يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ

وبجانب الأسرة هناك جهات أخرى مسئولة عن تربية الأطفال كالمدرسة ووسائل الإعلام والجمعيات الأهلية ونوادي الشباب وجميع هيئات المجتمع ، لعموم الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) .
=================

الأربعاء، 9 سبتمبر 2009

أمل دنقل شاعر العروبة ...!



أمل دنقل شاعر العروبة ...!
بقلم : الطيب أديب

على بعد كيلو مترات من مدينة قنا ، وبالتحديد في قرية القلعة بمركزقفط بمحافظة قنا ولد الشاعر محمد أمل فهيم أبو القاسم محارب دنقل في 23 يونيو 1940م ،ونشأ أمل دنقل في أسرة تقدس العلم فراح ينهل من أمهات الكتب وذلك ما ساعده على نضج تجربته الشعرية التي تكونت مبكرا ونضجت في مرحلة التعليم الثانوي التي أهلته للالتحاق بكلية الآداب جامعة عين شمس ولم يبق فيها أكثر من ثلاثة شهور التحق بعدها بكلية دار العلوم وتركها هي الأخرى بعد أيام وأثر تثقيف نفسه بنفسه وترك قنا ليستقر في القاهرة.
ترك لنا أمل دنقل عدة دواوين وقصائد متفرقة ويعد ديوانه ( البكاء بين يدي زرقاء اليمامة 1969 م ) أشهر دواوينه إذ عده النقاد نقلة واسعة في الشعر العربي ثم ديوان (تعليق على ما حدث 1971) وديوان ( مقتل القمر 1974) و (العهد الآتي 1975 ) و ( لا تصالح 1981) وديوان (أوراق الغرفة 8 عام 1983 ) . ورغم عمره القصير استطاع الشاعر الفذ أمل دنقل أن يغوص في أسرار الشعر العربي الموروث والتجديدي كما أنه جسد انتماءه القومي في أشعاره إذ كان من الحالمين بمستقبل أفضل لهذه الأمة الجريحة . وقد وضعته قصائده الثلاث ( البكاء بين يدي زرقاء اليمامة – لا تصالح – الكعكة الحجرية ) على رأس شعراء العروبة والمتحدث باسمها (شاعر القبيلة ) ونالت قصيدته ( البكاء بين يدي زرقاء اليمامة ) شهرة واسعة لارتباطها بالجرح القومي الغائر عقب نكسة 1967 إذ كانت تعبيراً صادقاً عن موقف عنترة العبسي المتمثل في الشعب العربي الذي تركه الحكام في صحراء الإهمال يسوق النوق إلى
المرعى ، ويحتلب الأغنام ، حتى إذا ما دارت رحى المعركة أسرعوا إليه يستصرخون فيه روح الحمية ويدعونه إلى المشاركة في الحرب دفاعا عن قصور الحكام الفخمة .
قيل لي ( اخرس ..)
فخرست ... وعميت ... وائتممت بالخصيان
ظللت في عبيد (عبس) أحرس القطعان
اجتز صوفها ...
أرد نوقها
أنام في حظائر النسيان
طعامي . الكسرة ... والماء .. وبعض التمرات اليابسة .
وها أنا في ساعة الطعان..
ساعة أن تخاذل الكماة .. والرماة ..
والفرسان ..
دعيت للميدان !

لقد عاش أمل دنقل مرارة الهزيمة وحلم كأبناء جيله باستعادة الحقوق المغتصبة بالسيف رافضا كل محاولات التصالح ، وما زالت قصيدته ( لا تصالح ) شاهدة على فشل محاولات التصالح بين العرب والعدو الصهيوني ورفض الشعب العربي لهذه المحاولات يقول في أحد مقاطعها :
لا تصالح على الدم .. حتى بدم !
لا تصالح ولو قيل رأس برأس .
أكل الرؤوس سواء ؟!
أقلب الغريب كقلب أخيك!
أعييناه عينا أخيك؟
وهل تتساوى يد .. سيفها كان لك .
بيد سيفها أثكلك ؟

وعلى الرغم من رحيل أمل دنقل يوم 21 مايو 1983م إلا أن صوته لا يزال يدوي في أرجاء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وقد رثاه شاعر العامية الفذ صلاح جاهين في إحدى قصائده يقول فيها :
باحكى عن الموتى في شتى العصور
وباقول عليهم ألف رحمة ونور
مش باحكى أبدا عن أمل دنقل
لأنه عايش رغم سكنى القبور !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط تتعلق بقصائد الشاعر الفذ أمل دنقل ( الفصائد بصوت الشاعرالراحل )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
- قصيدة "الكمان"
http://www.youtube.com/watch?v=QJ6dMntmR00&feature=player_embedded

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

2- قصيدة "الطيور"

http://www.youtube.com/watch?v=EjfMNMiYvP0&feature=related

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3- قصيدة " ولادة"

http://www.youtube.com/watch?v=2-sJp7dUkUc&feature=related

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4- قصيدة " في انتظار السيف "

http://www.youtube.com/watch?v=Pw8V0U-926c&NR=1

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5 – قصيدة " الموت في لوحات "
http://www.youtube.com/watch?v=ESlSGkOpBuo&feature=related
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأقصى يستغيث


الأقصى يستغيث فهل من مغيث ..؟
كتب :الطيب أديب

يعد المسجد الأقصى من أهم المعالم الإسلامية قدسية عند المسلمين وهو ثاني مسجد وضع على الأرض وأول القبلتين وثالث الحرمين والصلاة داخله تعادل خمسمائة صلاة ، وقد ورد ذكر الأقصى في القرآن الكريم في أول سورة الإسراء قال تعالى :" سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير "
وأول من بنى المسجد الأقصى سيدنا آدم عليه السلام عندما أمره الله تعالى ببنائه فاختط حدوده بعد أن أرسى قواعد البيت الحرام بأربعين عاما ، وقيل بناه سيدنا إبراهيم عليه السلام ومن بعده إسحق ويعقوب عليهما السلام ، وأعاد سيدنا سليمان عليه السلام بناء المسجد الأقصى في العام 1000ق .م تقريبا . وعند الفتح الإسلامي للقدس العام 636م الموافق 15هـ بنى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه المصلى القبلي كجزء من المسجد الأقصى ، وفى عهد الأمويين بنى الخليفة عبد الملك بن مروان قبة الصخرة . ويقع المسجد الأقصى جنوب شرق مدينة القدس ( البلدة القديمة ) ويحوى داخل المنطقة المحاطة بالسور المستطيل ما يقرب من مائتي معلما إسلاميا وللمسجد الأقصى أربعة عشر بابا منها أربعة أبواب مغلقة وعشرة أبواب مفتوحة منها باب المغاربة وباب السلسلة وباب المتوطأ وباب القطانين وباب الناظر وباب الغوانمة وباب الخليل وغيرها ويضم الأقصى أربعة مآذن وهي مئذنة باب المغاربة ومئذنة باب الغوانمة ومئذنة باب السلسلة ومئذنة باب الأسباط .
مسجد قبة الصخرة: وهي عبارة عن مبنى مثمن ذو قبة ذهبية يتوسط مساحة المسجد الأقصى وهو من أقدم المعالم الإسلامية وبناه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ويوجد داخل الأقصى أكثر من 11 قبة غير قبة الصخرة وبنيت هذه القباب في عصور تاريخية إسلامية متعاقبة ( أموية – أيوبية – مملوكية – عثمانية ) وبنيت لتكون مقراً للعبادة والتعليم .
المصلى المراوني : ويقع تحت أرضية المسجد الأقصى في جهة الجنوب الشرقي
الأقصى القديم : ويقع تحت المسجد الأقصى وبناه الأمويون ليكون مدخلاً ملكياً إلى المسجد الأقصى
حائط البراق : وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى ، ويدعى اليهود بأنه الجزء المتبقي من المعبد اليهودي القديم المسمى بهيكل سليمان الذي حطمه الروم ، وأثبتت جميع الحفريات أنه من الآثار الإسلامية ولا وجود للمعبد اليهودى المزعوم في المنطقة .
الهيكل المزعوم : قامت العقيدة الصهيونية على الهدم والقتل وطمس المعالم التاريخية لكل ما هو غير صهيوني وقال " هرتزل " الأب الروحي للحركة الصهيونية : (إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار

التى مر عليها قرون ) . وقال " ديفيد بن جوريون" : ( لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل ) ومن هنا يحاول الصهاينة منذ احتلالهم لفلسطين تهويد القدس و إزالة كل المقدسات والآثار الإسلامية خاصة المسجد الأقصى بزعم إعادة بناء هيكل سليمان الذي بني على أنقاضه المسجد الأقصى حيث يعتقد اليهود الصهاينة وبعد الطوائف المسيحية خاصة ( البروتستانتية ) ( المسيحية الصهيونية ) أن هدم المسجد الأقصى وإعادة بناء هيكل سليمان من شروط عودة المسيح ووقوع معركة " هرمجدون " للقضاء على الأشرار وهم المسلمون تحديداً .
محاولات هدم الأقصى : قام الصهاينة بمحاولات عديدة لهدم المسجد الأقصى أبرزها :
- محاولة حرق المسجد الأقصى العام 1980م حيث قامت بها جماعات صهيونية بقيادة " مائيركاهانا " و " باروخ غرين " .
- في العام 1982 م خططت جماعة صهيونية بقيادة " يهودا عتسيون " لنسف المسجد الأقصى
- قامت جماعة " غوش أمونيم " باقتحام الأقصى فى العام 1989م .
- في العام 1988 حصلت جماعة ( أبناء الهيكل ) على ترخيص رسمي من حكومة الكيان الصهيوني لتنفيذ مخططاتها تحت مسمى (مؤسسة العلوم والأبحاث وبناء الهيكل ) وأعدت الجماعة بقيادة مؤسسها " يسرائيل آرييل " رسماً تخطيطياً للهيكل المزعوم المزمع إقامته على أنقاض المسجد الأقصى .
- قامت الجماعات الصهيونية المتطرفة بإجراء عدة حفريات بجوار باب المغاربة بعمق 18 متراً أسفل سور القدس المشيد من الحجر الجيري فوق تربة غير متجانسة ، وقامت قوات الاحتلال الصهيوني مؤخراً بإذابة الصخور بمواد كيماوية أسفل المسجد الأقصى وأزالت كل الأتربة ما جعل المسجد الأقصى معلقاً في الهواء ، وتصدعت أسواره الغربية ، وباتت جدرانه مهددة بالسقوط في أي لحظة .
إن إنقاذ المسجد الأقصى مسؤولية أمة لا مسؤولية شعب بعينه ومن واجب المسلمين في جميع أرجاء الأرض أن يثوروا ويهبوا لنجدة أول القبلتين وثالث الحرمين فمتى نلبي نداء الأقصى الذي يستغيث منذ زمن ولا مجيب .. فهل من مغيث قبل فوات الآوان ؟!

عباقرة الغرب ينصفون الإسلام ورسوله ..!









عباقرة الغرب يجمعون ..
(محمد صلى الله عليه وسلم ) أعظم العظماء في تاريخ البشرية

أعدها : الطيب أديب







الفيلسوف الإنجليزي ( برنارد شو )

برناردشو : محمد صلى الله عليه وسلم منقذ البشرية والعالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكيره .

توماس كارليل : النبي محمد شهاب أضاء العالم أجمع .

ول. ديورانت : محمد صلى الله عليه وسلم أعظم عظماء التاريخ كله .

لامارتين : أعظم حب في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم .

جوته : إننا أهل أوربا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد- صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رغم الافتراءات الغربية على نبي الإسلام = صلى الله عليه وسلم - والى دين الإسلام والتي تزداد حدتها كلما زاد التعصب الغربي إما نتيجة لأحقاد دفينة أو جهل أعمى قلوب أصحاب هذه النعرات فراحوا يكيلون التهم لنبي الإسلام وشريعته السمحة تارة في صورة رسوم كاريكاتورية ساخرة وتارة في أعمال أدبية ساقطة وثالثة في تصريحات رسمية مسمومة لكبار الساسة ورجال الدين.على الجانب الآخر هناك فريق من حكماء الغرب وعقلائه قد سجلوا بأحرف من نور كلمات مضيئة أنصفوا بها نبي الإسلام وعدوه أعظم العظماء في تاريخ البشرية .. فماذا قالوا ؟
شمس الله : تقول المستشرقة الألمانية الدكتورة ( زيجريد هونكة ) في كتابها ( شمس الله على الغرب ): ( ولقد شاء الله أن يظهر من الأوروبيين من ينادي بالحقيقة ولا يغمط العرب حقهم في أنهم حملوا رسالة عالمية وأدوا خدمة إنسانية للثقافة البشرية قديما وحديثا . إن هذا النفر من الأوروبيين المنصفين لا يأبه من تحدى المتعصبين الذين حاولوا جهد طاقتهم طمس معالم هذه الحضارة العربية والتقليل من شأنها وأضافت هونكة ( إن محمدا والإسلام هما شمس الله على الغرب ) .
خلود الأبد : الفيلسوف الإنجليزي الشهير ( برناردشو ) قال : ( إن رجال الدين في القرون الوسطى ونتيجة للجهل أو التعصب قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة . لقد كانوا يعتبرونه عدوا للمسيحية ، ولكنني اطلعت على أمر هذا الرجل فوجدته أعجوبة فارقة . وتوصلت إلى أنه لم يكن عدوا للمسيحية بل يجب أن يسمى منقذ البشرية وفى رأيي أنه لو تولى أمر العالم اليوم . لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها ) . وأضاف برنارد شو :(إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد النبي الذي وضع دينه دائما موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات ، خالدا خلود الأبد وإني أرى كثيرا من بنى قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة ، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة ) .
شهاب أضاء العالم : أما الفيلسوف الإنجليزي ( توماس كارليل ) الحائز على جائزة نوبل فكتب في كتابه ( الأبطال وعبادة البطل ) يقول:( لقد أصبح من أكبر العار أن يصغي الإنسان المتمدن من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين إن دين الإسلام دين كذب ، وإن محمدا لم يكن على حق . لقد آن لنا أن نحارب هذه الادعاءات السخيفة المخجلة فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظلت سراجا منيرا أربعة عشر قرنا من الزمن لملايين كثيرة من الناس ، فهل من المعقول أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها هذه الملايين وماتت أكذوبة كاذب أو خديعة مخادع ؟ ولو أن الكذب والتضليل يروجان عند الخلق هذا الرواج الكبير لأصبحت الحياة سخفا وعبثا ، وكان الأجدر بها ألا توجد . إن الرجل الكاذب لا يستطيع أن يبني بيتا من الطوب لجهله بخصائص البناء . وإذا بناه فما بالك بالذي يبنى بيتا دعائمه هذه القرون العديدة وتسكنه مئات الملايين من الناس ، وعلى ذلك فمن الخطأ أن نعد محمد كاذبا متصفا متذرعا بالحيل والوسائل لغاية أو مطمع فما الرسالة التي أداها إلا الصدق والحق وما كلمته إلا صوت حق صادر من العالم المجهول ، وما هو إلا شهاب أضاء العالم أجمع ، ذلك أمر الله ، وإن طبيعة محمد الدينية تدهش كل باحث مدقق نزيه المقصد بما يتحلى فيها من شدة الإخلاص ، فقد كان محمد مصلحا دينيا ذا عقيدة راسخة ) .
أعظم العظماء : وفي كتابه ( قصة الحضارة ) كتب المؤرخ الأمريكي( ول . ديورانت ) يقول : ( وإذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدا كان من أعظم عظماء التاريخ ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء ، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه أي مصلح آخر في التاريخ كله ) .
وعن سبب اختياره لمحمد صلى الله عليه وسلم ليكون أعظم العظماء في التاريخ كتب المؤرخ الشهير ( مايكل هارت ) في كتابه الشهير ( الخالدون مائة وأعظمهم محمد ) : ( إن اختياري محمدا ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ قد يدهش القراء ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين الديني والدنيوي، فهناك رسل وأنبياء وحكماء بدأوا رسالات عظيمة ولكنهم ماتوا دون إتمامها كالمسيح في المسيحية ، أو شاركهم فيها غيرهم ، أو سبقهم إليها سواهم كموسى في اليهودية ، ولكن محمدا هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية وتحددت أحكامها وآمنت به شعوب بأسرها في حياته ، ولأنه أقام إلى جانب الدين دولة جديدة فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضا وحد القبائل في شعب والشعوب في أمة ، ووضع لها كل أسس حياتها ورسم أمور دنياها ووضعها موضع الانطلاق إلى العالم أيضا في حياته فهو الذي بدأ الرسالتين الدينية والدنيوية وأتمهما ) .
أما ( لامارتين ) أشهر شعراء فرنسا فكتب يقول : ( من ذا الذي يجرؤ من الناحية البشرية على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد ؟ ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه . عند النظر إلى جميع المقاييس التي تقاس بها عظمة الإنسان ، فأعظم حب في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة وافية وأدركت ما فيها من عظمة وخلود) .
مثل أعلى : وعن تأثير القرآن الكريم في روحه كتب أشهر شعراء ألمانيا ( جوته ) يقول : ( كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي فهو كتاب الكتب ، وإني اعتقد هذا كلما يعتقده كل مسلم فلم يعتر القرآن أي تبديل أو تحريف ، وعندما نستمع إلى آياته تأخذك روح التشريع فيه ، لا يسعك إلا أن تعظم هذا الكتاب العلوي وتقدسه وظني أن التشريع في الغرب ناقص بالنسبة للتعاليم الإسلامية ) . وأضاف شاعر ألمانيا الشهير ( جوته ) مسجلا إعجابه بالنبي العربي يقول : ( وإننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد ، وسوف لا يتقدم عليه أحد وقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان فوجدته في النبي العربي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصحفي السويسري الشهير " روجيه دوباسكويه" في كتابه" إظهار الإسلام ":

الحضارة المعاصرة خالية المعنى والغرب يعيش في فراغ روحي ..!

عرض : الطيب أديب
ــــــــــــــــــــــــــــــ
يعيش المؤلف " روجيه دوبا سكويه " في سويسرا ويعمل في مجال الصحافة ، ويعد من أشهر صحفيي أوروبا ، وقد كتب عددا من الكتب أشهرها " صحوة الإسلام " و "الإسلام بين التقاليد والتطور " وحصل على جائزة جمعية المؤلفين الفرنسيين عام 1988م . وقد صدر هذا الكتاب الذي بين أيدينا "إظهار الإسلام " عن مكتبة الشروق بالقاهرة عام 1994م وجاء في 190 صفحة من القطع الصغير . وتكون من مقدمة وسبعة فصول ، وقد كتب المؤلف هذا الكتاب لإظهار حقيقة الإسلام لمواطنيه السويسريين وللمتحدثين بالفرنسية ، ثم ترجم الكتاب في كمبردج إلى الإنجليزية وترجمه الناشر إلى العربية . في مقدمة كتابه يقول المؤلف: " يستحوذ عالم الإسلام في السنوات الأخيرة للقرن العشرين على اهتمام الغرب ، ورغم طفرات الحضارة الحديثة احتفظ الإسلام بالقيم التقليدية التي هجرها الغرب ، وبقى عالم الإسلام في نواح كثيرة عالم الإيمان والصلاة ". واختتم مقدمته بقوله : " لا يمكن لأحد يدرك وجود حقيقة باقية لا نهائية . فوق عالم اليوم الفاني " إلا يكترث بالإسلام ، إظهار الإسلام يعني إثبات الدليل على أمكان العيش في ظلال الحقيقة على المستويات الفردية والاجتماعية عيشة كاملة بلا تنازل أو حلول وسط .
أزمة الحضارة الحديثة : وفي الفصل الأول من الكتاب تحدث " دوبا سكويه " عن أزمة الحضارة الحديثة والأزمات التي تزلزل العالم الحديث ، وفشل الفكر الحديث في تقديم تعريف متماسك للحالة الإنسانية بسبب الجهل الكامل عن سبب ميلاد الإنسان وعيشه وموته . وتحدث عن الانقلابات الاجتماعية والإفساد الأخلاقي والفراغ الروحي الذي يعيشه العالم الغربي يقول المؤلف " لا يقنع الإنسان بالحضارة العصرية لأنها تقدم له كل شيء إلا الجوهر ، ولذلك تبدو خالية المعنى ، لم ينشغل الإنسان جدا ولهوا من قبل مثل اليوم ولم يصبه مثل ملل اليوم . فشلت الإنجازات الهائلة للعلم والتكنولوجيا سواء كانت متمثلة في التلفزيون أو غزو الفضاء أو تقدم الطب في أن تقدم له العلاج الشافي للسأم . ألهى الإنسان في عصر الآلة وانشغل أو تشتت ذهنه وفشل في الوصول إلى الإسلام الحقيقي للروح الذي يتحقق بإنجاز المهمة السامية التي خلق الإنسان من أجلها ... ويؤكد المؤلف أن نظرة الإنسان المسلم للكون تختلف تماما عن نظرة الرجل العصري الذي لا يهمه إلا إشباع حاجاته وطموحاته كما يقول في الفصل الثاني : " ينظر الرجل العصري إلى العالم كشيء يتصرف فيه كيف يشاء ليشبع حاجاته أو طموحاته أو أهوائه المستقبلية . فطالما لم يتبين أي أهمية له ، أو ما يستدعى احترامه . أليس هو لقيط الصدفة ، وبعد تجريده من أي قداسة يستغله وينتهكه ويدمر انسجامه ويثير الأزمات البيئية المغلقة ، وعلى النقيض يرى المسلم في الخلق عملا إلهيا مجيدا تمثل عنده الأكوان . بما تحويه علامات ناطقة بنظام علوي لا يوجد في الطبيعة شيء سخيف أو متروك للصدفة ، فلكل شيء أهميته التي يبصرها كل من لم تغشاه عقلية وانحيازات الحضارة المادية .."
الهجرة طاعة لله ورسوله : وفي الفصل الثالث من الكتاب، تناول المؤلف البعثة النبوية ومولد خاتم النبيين- صلى الله عليه وسلم - ونشأته ورحلة الإسراء والمعراج وهجرة الرسول وصحابته من مكة إلى المدينة ، واختيار المسلمين للهجرة كتقويم إسلامي لهم يقول المؤلف : " كان من الممكن بدء التقويم الإسلامي بميلاد النبي= صلى الله عليه وسلم - أو بدء نزول الوحي عليه ، ولكن فضلت الهجرة لأنها تمثل تأسيس مدينة الله على الأرض ، ومنذ وصول النبي إلى المدينة بدأت حياة الأفراد والمجتمع في الامتثال للنظام الإلهي ، حتى أصبحت المدينة دار السلام – المثال المهم للمسلمين في القرون آلاتية .. ضرب المسلمون المثل في تخليهم عن بيوتهم وأموالهم وأوضاعهم في مكة لطاعة الله واتباع رسوله .."
تعدد زوجات الرسول : وفي نهاية الفصل الثالث تطرق المؤلف لجوانب من حياة الرسول الخاصة التي تعرضت في الغرب لتشويه وسوء فهم ، وبخاصة فيما يتعلق بزواج الرسول كما يقول المؤلف : " عندما تزوج النساء وأحبهن اتهمه كثير من الغربيين بالغرق في الشهوات واللذة الجنسية وهذا الاتهام غير صحيح وتكذبه الحقائق ويجب أن يتذكر المرء أولا أنه ظل أكثر من عشرين سنة زوجا مثاليا لسيدة تكبره بخمسة عشر عاما أنجب منها ستة أبناء لم يعش منهم إلا فاطمة التي تزوجت عليا وأنجبا ذرية محمد . عاش بعد وفاة خديجة بعدة سنوات دون زواج في طهر وعفة حتى تزوج في الثالثة والخمسين، وعن مغزى تعدد زوجات الرسول يقول المؤلف : " بعيدا عن البعد الأخلاقي لتعدد الزوجات ، يجد المرء مغزى في تعدد زوجات الرسول كمؤسس لديانة عالمية عظمى ، كان عليه أن يسن طريقة الحياة للأجيال التالية ، وينظم العلاقات الزوجية والأسرية بين أفراد المجتمع ويضع قواعد الاستقرار ، تلك التي لم يستطع أحد بعد أربعة عشر قرنا أن يأتي بأفضل منها .
معجزات عديدة : وفي الفصل الرابع تحدث المؤلف عن المعجزات في الإسلام ، التي حيرت العالم الغربي وأول هذه المعجزات القرآن الكريم ، وما يزخر به من معرفة وحكمة ، وثاني المعجزات الفتوحات الإسلامية الحاسمة السريعة التي أذهلت العالم واستعصت على فهم الكثير من الغربيين وعيبهم للإسلام انتشاره بالسيف كما يروج كثيرون منهم يقول المؤلف : " عاب المسيحيون على الإسلام انتشاره بالسيف ، وأن الجهاد ترجموه – الحرب المقدسة – مغامرات تجارية وإجبار الشعوب على التحول للإسلام وللرد على ذلك يجب أولا أن نذكر أن لكل ديانة قدرا من العسكرية يظهر كبيرا أو صغيرا تبعا للظروف التاريخية وبخاصة عندما يتعرض معتنقوه للتهديد ، ديانة إلهية تبين سبيل الحقيقة والفلاح كل البشر ، لا يمكنها تجنب عداوات تضطر لمحاربتها حتى لا يقضى عليها – حتى البوذية لها جيوشها وحروبها ، فيما لم تتردد المسيحية مطلقا في شن الحروب ضد كل من وقف في طريقها .." ويشير المؤلف لأخلاقيات القتال عند المسلمين وتسامحهم مع عدوهم يقول : " أمر النبي بأن لا يجهزوا على جريح ولا يقتلوا النساء ولا الصبيان ولا من يعتزل القتال ونهى عن الضرر والمثلة وعلى سنته قال أبو بكر لجنوده ستجدون قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فدعوهم وما حسبوا أنفسهم له ولا تقتلن أمرآة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ، بل أن النبي أمر في القتال باجتناب الوجه فقد بذل وسعه لتخفيف ويلات الحرب . اكتسب المسلمون تعاطف البلاد المفتوحة التي رأت تسامحهم وقيودهم في استخدام القوة ، ورحبت بهم بلاد كثيرة فاتحين .." وعن انتشار الإسلام اليوم في العالم يقول المؤلف : " ولكن الذي يجب الانتباه إليه ، أن الإسلام – خاتم التنزيل الإلهي – ينتشر في وقتنا الحالي بالعناية الإلهية ويعطي لعصرنا المظلم أشعة الشمس الأخيرة ليوم ذابل ، بعيدا عن الرحمة الإلهية التي تنادى البشر حتى نهاية العالم " وفى الفصل الخامس تحدث المؤلف عن الوحدة التي هي المفهوم الرئيس في الإسلام لأن الإسلام يشمل كل أمور الحياة ، ثم شرح المؤلف أركان الإسلام الخمسة بلغة مبسطة تناسب الغربيين .
تفرد الحضارة الإسلامية : وفي الفصل السادس أشار المؤلف لتماسك الحضارة الإسلامية وتفردها في استيعاب ودمج الأقاليم المختلفة كما يقول : " استقرت الخلافة الإسلامية في دمشق وبعد عقود قليلة ، شاد هؤلاء العرب البدائيون حضارة جديدة من أروع الحضارات وازهي حضارات التاريخ كشفت عن قدرة غير عادية في استيعاب ودمج أقاليم مختلفة وحافظت على درجة كبيرة من تماسكها وتجانسها ، لتطفو مثل كل ما يبعث من الإسلام – متمركزة على مبدأ التوحيد ..." وأشار المؤلف لتقدم العرب في علوم الطب والطبيعة والرياضيات والكيمياء وغيرها في الوقت الذي كانت تعيش فيه أوروبا في ظلام وعداء للعلماء . وعن تقدم العرب في علم الفلك وجو التحرر العلمي الذي ساد البلاد الإسلامية يقول المؤلف : ومن المثير للاهتمام أن البيروني توصل لدوران الأرض حول الشمس قبل ( كوبرنيكس ) بخمسة قرون ولم تقم ضده ردود الفعل العدائية التي حدثت في أوروبا ضد نفس النظرية الحديثة القديمة .
من هو الأصولي : وفي الفصل السابع والأخير كتب روجيه دوبا سكويه عن الزهد فى الإسلام وحكمه الخلفاء الراشدين في إدارة أمور الدولة وعدلهم الذي عم الأرض وظهور الفلسفة الإسلامية . وفي هامش الفصل الأخير أشار " دوبا سكويه " لمعنى كلمة أصولي التي يفسرها الغرب على هواه يقول المؤلف :" تعني كلمة أصولي عند فقهاء المسلمين ذلك الفقيه العالم الذي يبحث في القواعد لاستمداد الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية ، فعلم أصول الفقه من أدق وأجل العلوم الشرعية ، وتعني عند العامة من يتمسك بأصول الدين وليس معروفا على وجه التحديد ماذا يقصد الغرب بكلمة أصولي ، إلا أن الشواهد تنطق أن الإعلام والسياسة الغربية يربطان بشكل أو بآخر بين كلمة أصولي " ومتطرف " وإرهابي بالنسبة للمسلمين فقط وغالبا ما يكون القاسم المشترك في ذلك لمن يصطدم بمصالح أصحاب النفوذ والسيطرة على الإعلام والسياسة الغربية ولم نسمع عن إرهاب أو أصولية صربية أو سيخية ، أو إسرائيلية أو يهودية عند الإعلام والساسة الغربيين ".

نشر بمجلةالجيل- السعودية- العدد413 – ربيع الأول 1425هـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



المستشرقة الألمانية ( آنا ماري شيمل ) في كتابها ( الإسلام دين الإنسانية ) :

- أسطورة تهديد المسلمين للغرب بدأت منذ ألف سنة نتيجة لتصورات مغلوطة عن الإسلام والمسلمين ..!

عرض : الطيب أديب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتبة في سطور : تعد المستشرقة ( آنا ماري شيمل ) واحدة من أهم أعلام الإستشراق الألماني المعاصر ، إذ أنها من العارفات بالإسلام وحضارته ولها مكانتها في العالم الإسلامي وفي الجامعات الأوروبية والأمريكية وكندا ، وتميزت مؤلفاتها بالموضوعية ، وأهمها ( دراسة عن الأفكار الدينية لمحمد إقبال – أبعاد الصوفية في العالم الإسلامي - دراسة عن جلال الدين الرومي – تحسين الخطوط في إطار الحضارة الإسلامية – محمد رسول الله صلى الله علي وسلم – مفهوم الإرادة الإلهية ) ، وحصلت الكاتبة علي جائزة السلام الألمانية في العام 1995 م وكرمتها وزارة الأوقاف المصرية وبعد صراع مع المرض رحلت في العام 2003م عن عمر يناهز الثمانين عاما .
الكتاب : ويعد كتابها ( الإسلام دين الإنسانية ) أهم كتبها وقد أعدته المؤلفة لنشره ضمن سلسلة أديان الإنسانية التي نشرتها مطبوعات ( دار ركلام ) في مدينة شتوتجارت الألمانية في العام 1989 م ، ونشر الكتاب مستقلا في العام 1997م ، ونشرته وزارة الأوقاف المصرية ضمن سلسلة قضايا إسلامية وبين أيدينا الطبعة الثالثة من الكتاب والتي صدرت في جمادي الأولي 1428هـ مايو 2007م وقدم له د. محمود حمدي زقزوق ، وترجمه وعلق عليه د. صلاح محجوب وراجعه د. محمود حجازي ، واحتوي الكتاب علي مقدمة واثني عشر فصلا وجاء في 166 صفحة.
في الفصل الأول من الكتاب تناولت المؤلفة صورة الإسلام في أبحاث الأوروبيين منذ القرن السابع عشر الميلادي تلك الصورة المغلوطة عن الإسلام ، إذ بدت في أوربا أسطورة تهديد المسلمين لعالم الغرب الأوربي منذ قرابة الألف سنة تقول عنها المؤلفة : ( أما السبب الذي أشاع هذه الأسطورة فقد كان دخول العرب المسلمين أسبانيا في القرن الثامن الميلادي ، ثم حصار الترك لأسوار فيينا آخر الأمر في سنة 1683 م وقد نشأت من تلك الأحداث تصورات مغلوطة عن الإسلام والمسلمين باعتبارهم العدو التقليدي للمسيحية في أوربا ) . ومن هذه الآراء المغلوطة التي تصور اعتقادا مغلوطا أن المسلمين يعبدون محمدا صلى الله عليه وسلم وأن المسلم يتحدث إلي تمثاله الذهبي قبل الصلاة ، وترجع المؤلفة ذلك الفهم الخاطئ إلي افتقار الأوروبيين بالمعرفة الصحيحة للغة العربية حتي قام " روبرتوس كتننسيس " بإعداد أول ترجمة لاتينينية لمعاني القرآن الكريم في سنة 1143 م تلك الترجمة التي طبعت بعد 400 سنة في بازل بسويسرا ونشأت عنها ثلاث ترجمات أخري ساعدت الغربيين إلى محاولة الفهم الصحيح للمسلمين والإسلام .
وفي الفصل الثاني كتبت المؤلفة عن الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام وجاء الفصل الثالث تحت عنوان النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناولت فيه مولده ونشأته وزواجه من السيدة خديجة رضي الله عنها ونزول الوحي وبداية الدعوة والبعث والجزاء . وفي الفصل الرابع كتبت عن انتشار الإسلام بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم - تقول المؤلفة : ( وهكذا ورث خلفاء الرسول - صلي الله عليه وسلم - مهمة توجيه الجماعة المسلمة ومهمة الإمامة في الصلاة والفتوح ، وتتكون الأمة الإسلامية من المؤمنين ، وهي مؤيدة بالعون الإلهي ولا يصيبها غضب من الله . وكما هو شائع في التقاليد النقلية عندما تدنو ساعة الحساب ويقول كل إنسان " نفسي نفسي " ويقول الرسول " أمتي أمتي " ) . وفي الفصل نفسه تتناول المؤلفة جهود الخلفاء الراشدين والأمراء من بعدهم في نشر الإسلام والعلم في ربوع الأرض . وفي الفصل الخامس كتبت عن تعاليم الدين الإسلامي وتقول عن القرآن الكريم : ( القرآن الكريم هو أساس الإسلام عند المؤمنين وهو كلمة الله الصحيحة ، ولم يكن للرسول - صلى الله عليه وسلم - سوى دور توصيل هذه الكلمة الإلهية للمسلمين بلسان عربي مبين . والقرآن الكريم محفوظ في اللوح المحفوظ في السماء وهو مصدر العبادات والفروض عند كل المسلمين من العرب وغير العرب ) . وتحدثت المؤلفة عن أركان الإسلام الخمسة كما سجلت في نفس الفصل ملاحظة هامة كما تقول : ( وعلينا هنا تسجيل ملاحظة هامة وهي أن كل الحركات الإصلاحية الإسلامية نشأت في إطار وبتأثير من المشاعر المقدسة فقد عاش كثير من البنغاليين والنيجيريين والمغاربة ومواطني آسيا الوسطي في مكة ، وتشبعوا بتعاليم الإسلام في البيئة العربية ، وعندما عادوا إلي بلدانهم ثانية كافحوا كل البدع التي يخلو منها الإسلام السمح ) . وفي الفصل السادس كتبت المؤلفة عن السيرة النبوية وتناولت فيه جهود الصحابة والتابعين في جمع الأحاديث النبوية الشريفة كما تقول :( وهكذا وجد المسلمون الأتقياء في تعاليم الرسول صلي الله عليه وسلم وسيرته العطرة خير نموذج يتمسكون به في كل أمورهم مصداقا لقوله تعالي : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) " الأحزاب 21 "
وفي الفصل السابع كتبت عن الشريعة الإسلامية وأوضحت أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الإسلاميان اللذان يرجع المسلمون إليهما عند حل المسائل الخلافية المتعلقة بالشرع أو بفقه العبادات ، وأن المذاهب الفقهية الأربعة شكلت توجهات الشرع الإسلامي وصاغت أحكامه .
وفي الفصل الثامن كتبت المؤلفة عن علم الكلام والفلسفة الإسلامية وفي الفصل التاسع كتبت عن الشيعة والمذاهب الإسلامية وكتبت في الفصل العاشر عن التصوف والطرق الصوفية وفي الفصل الحادي عشر عن كرامات الأولياء . أما الفصل الثامن عشر فجاء تحت عنوان الإسلام في العصر الحديث وفيه تناولت المؤلفة جهود المفكرين المسلمين حول مرونة الإسلام وملاءمته للظروف المتغيرة في العصور المختلفة خاصة بعد أن اجتاحت جيوش المغول الخلافة العباسية في بغداد حتى انتهي الحال بسقوطها في سنة 1258 م والتي غيرت الأشكال السياسية الإسلامية المألوفة حتى ذلك الوقت وذكرت المؤلفة جهود المفكر" ابن تيمية " الذي كرس جهوده من أجل الدفاع عن أسلوب الحياة الإسلامية ضد عوامل التغير بعد أن رأي في القرآن والسنة النبوية الشريفة أساسا للحياة الإسلامية والاجتهاد الديني محتملا بذلك صعابا كثيرا نتيجة لمواقفه الثابتة وكذلك جهود الإمام محمد ابن عبد الوهاب في الجزيرة العربية والذي انتسبت إليه عدة حركات سلفية أسماها بعض الكتاب باسم الحركة الوهابية وقد احتل أتباعه الذين تسموا باسم " الموحدين " الحجاز ومكة للتعاون مع أسرة الأمير سعود في السنوات 1803 حتى 1806 م
وفي نفس الفصل الأخير كشفت المؤلفة دور القوى الاستعمارية الغربية في نشر أفكارها ولغتها وعقيدتها في البلاد الإسلامية التي رضخت تحت براثن الاحتلال في الهند والشام ومصر وبلاد المغرب ومقاومة المسلمين للاستعمار الغربي تقول المؤلفة : ( وقد كان من الطبيعي أن تنشط الحركات الإصلاحية بين المسلمين في ظل أوضاع سياسية كهذه ومع تردي الأوضاع الاقتصادية في العالم الإسلامي لحساب المستعمرين الأجانب ، وهنا ينبغي لنا أن نتحدث عن الحركات الإسلامية في المقام الأول ، وهي الجماعات التي تسمى الجماعات السلفية والتي رأت أن الاعتماد علي فكر السلف الصالح من أئمة المسلمين هو المنهج السديد من أجل مواجهة الاستعمار الغربي )
.

النخلة عند العرب . . رمز الشموخ والأصالة والعطاء المتجدد ..!



بقلم : الطيب أديب 


*********

لم تحظ شجرة في تراثنا العربي بما حظيت به النخلة من تكريم حتى أنها نالت مكانة عظيمة في الأديان السماوية، وورد ذكرها في القرآن الكريم فى آيات كثيرة وأفاض العرب في وصفها ، وكانت مصدراً لإلهام الشعراء على مر العصور ، وكلما تقدم العلم أكد فوائد جديدة لمنتجات النخلة لم تكن معروفة من قبل .

النخلة لغةً

جاء في لسان العرب لابن منظور : النخلة ، شجرة التمر ، الجمع نخل ونخيل وثلاث نخلات .. وانتخل الشيء أي صفاه واختاره ، وفي القاموس المحيط : النخلة كالنخيل ويذكر واحدته نخلة وجمعه نخيل ويستعمل النخل بمعنى الصفع كما قال الصفدي .

تاريخ النخلة

أجمع كثير من الباحثين على أن شجرة النخيل عمرها يزيد عن أربعة آلاف عام، أما موطن الشجرة الأصلي فيرى العالم الايطالي (بكاري) أن موطنه الأصلي منطقة الخليج العربي ويستدل على ذلك بقوله : هناك جنس من النخيل لا ينتعش نموه إلا في مناطق نادرة الأمطار حيث تتطلب جذوره وفرة الرطوبة .. ويقاوم الملوحة الى حد بعيد ، ولا تتوافر هذه الصفات الا في المنطقة الكائنة غرب الهند وجنوب إيران والساحل الغربي للخليج العربي .
وعرف النخيل في وادي النيل منذ عصر ما قبل الأسرات وقد عثر أحد الباحثين على مقبرة في أرمنت بجنوب مصر ، على مومياء ملفوفة في حصير من سعف النخيل .
واهتم المصريون القدماء برسم النخلة على جدران معابدهم ورصدوا لها ما يقرب من 360 فائدة بعدد أيام السنة ، أما في بلاد الرافدين فقد وجدت ألواح سومرية تتضمن وصفاً مفصلاً لبساتين النخيل ، وفي شريعة " حامورابي " مادة عن التمور والنخيل تقضي بعقوبات رادعة لكل من يقوم بقطع النخيل .
وقد انتشرت شجرة النخيل في العالم بعد الفتح الإسلامي ، فقد نقل العرب زراعة النخيل الى الأندلس في القرن السابع ومنها الى انحاء أوربا ، ووصلت النخلة الى المكسيك في القرن الثامن عشر وعرفت في الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع القرن العشرين عقب استيرادها لآلاف الفصائل من العراق وتونس وإيران .

النخلة في الديانات السماوية

حظيت النخلة بمكانة عظيمة في الديانات السماوية فقد أطلق اليهود على النخيل والتمر لفظ ( تمارا ) ويروى عنهم أنهم لاحظوا اعتدال جزوع النخلة وقوامها المديد وخيرها الوفير فأطلقوا على بناتهم اسم (تمارا) تبركاً بالنخلة ورمزاً لخصوبتها ، أما أنصار السيد المسيح عليه السلام فقد فرشوا سعف النخيل في طريقه لأورشليم " بيت المقدس " للمرة الأولى حيث كان سعف النخيل علامة من علامات النصر وكان يقال للنبى عيسي عليه السلام ( ذو النخلة ) لكونه ولد تحتها .


النخلة عند المسلمين

 
ورد ذكر النخلة في القرآن الكريم في عشرين آية تقريباً في سور مختلفة ومنها : سورة إبراهيم آية 24- 25 قال تعالى : " الم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها " وفي سورة مريم آية 25 قال تعالى : " وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا فكلى واشربى وقري عينا " وفي سورة " ق" آية 10 قال تعالى :" ونزلنا من السماء ماء مباركاً فانبتنا به جنات وحب حصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد " . وروي عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – الكثير من الأحاديث الشريفة التي تعظم مكانة النخلة وفوائد تمرها ومنتجاتها المختلفة فقد روى البخاري وغيره عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما – وكان دون الحلم – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال : " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وانها مثل المسلم فحدثونى ما هى ؟ فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة ، فاستحييت ، ثم قالوا : حدثنا ما هى يا رسول الله ؟ قال :" هي النخلة " وفي رواية " ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم ، فلما قمنا حدثت أبي بما وقع في نفسي ، فقال : لأن تكون قلتها أحب الي من أن يكون لي حمر النعم " . وروى الإمام مسلم في صحيحه عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " بيت لا تمر فيه جياع أهله " كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين عند صيامهم بالافطار على التمر لما له من فائدة عظيمة للصائم ، عن أنس رضى الله عنه قال :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلى على رطبات فان لم تكن رطبات فتمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء " رواه ابو داود والترمذي .
ويحكى في تراثنا العربي أن أحد ملوك الروم أرسل لسيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قائلاً : " بلغنى أن ببلدك شجرة تخرج ثمرة كآذان الحمر ، ثم تنشق عن أحسن اللؤلؤ المنضد ، ثم تخضر فتكون كقطع الزمرد ، ثم تحمر ، ثم تصفر فتكون كقشور الذهب وقطع الياقوت ، ثم تينع فتكون كأطيب الفالوذج ثم تيبس فتكون قوتاً للحاضر وزاداً للمسافر ، فان صدقت رسلى فلا شك أنها من شجر الجنة " فكتب اليه سيدنا عمر : " نعم صدقت رسلك ، وانها الشجرة التي ولد تحتها المسيح عليه الصلاة والسلام ، فلا تدع مع الله الهاً آخر "

النخلة عند الشعراء

ظلت النخلة مصدراً لإلهام الشعراء العرب على مر العصور فطالما فتنوا بها وأفاضوا في وصفها لخيراتها العديدة وشموخها وأصالتها فقد وصفها ابو العلاء المعري بأنها أشرف الشجر قال :
وردنا مـــــاء دجلة خير ماء وزرنا أشرف الشجر النخيلا
وقال الحطيئة :
وأحلى من التمر الجنى وعنده بســـالة نفس ان أريد بسالها

ووجد فيها عبد الرحمن الداخل أنيساً له في غربته بالأندلس فانشد يقول :


تبدت لنا وسط الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهى في التقرب والنوى وطول اكتئابى عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة فمثلك في الاقصاء والمنتأى مثلي


وقال أحمد شوقى عن التمر :
طعام الفقير وحلوى الغني وزاد المسافر والمغترب

وأنشد احدهم يقول :

كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعأً يرمى بحجر فيلقى أطيب الثمر

إنتاج النخيل العربي

يقدر اجمالى عدد النخيل في العالم بما يقارب مائة مليون نخلة ، يمتلك الوطن العربي منها مايقارب 70مليون نخلة ،و كانت تمتلك العراق وحدها 32 مليون نخلة حتى العام 1980م وتراجع انتاحها إلى 10 ملايين نخلة نتيجة للعمليات العسكرية ، وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الأول إذ بلغ عدد أشجار النخيل بأراضيها 40 مليون نخلة تنتج حوالي 757601 طن من التمور " حسب إحصائية وزارة الزراعة والثروة السمكية بدولة الإمارات العام 2001م " وتمتلك المملكة العربية السعودية 13مليون نخلة ومصر 9.5مليون نخلة والجزائر 8مليون نخلة واليمن 5.5مليون نخلة وليبيا 4.6 مليون نخلة وينتج الوطن العربي من التمور 3مليون طن ( العام 1986م ) ويساهم الوطن العربى بنحو 74% من الانتاج العالمى للتمور ، وبلغت صادرات السعودية من التمور 19.4 الف طن وصادرات العراق 150الف طن قبل حرب الخليج الثانية .
أما الإحصاءات النسبية لإنتاج النخلة الواحدة من التمور فتصل إلى 53.3 كيلو جرام فى مصر ، وفي السعودية تنتج النخلة الواحدة 37 كجم وفي المغرب 18,5كجم
وفي ليبيا تبلغ 18كجم . أما اكثر الدول العربية استهلاكاً للتمور فتأتي السعودية على رأس القائمة يليها العراق وليبيا والجزائر ومصر .


فوائد النخلة

لا يوجد جزء في النخلة بدون فائدة ابتداء من جزعها حتى شوكها وقد آلفها العرب منذ القدم لتعدد فوائدها فمن ثمارها غذاء ومن جزوعها مواد للبناء ومن فروعها أثاث وغطاء .
وقد استخدم العرب جزوع النخلة في سقف البيوت وصناعة الآلات البدائية وصنعوا من جريدها الأقفاص والسلال والحصر والمراوح ، ومن ليفها صنعوا الحبال والمكانس اليدوية ، أما نوى البلح فاستخدموه علفاً للإبل وقد اثبت العلم الحديث أن نوى البلح يحتوى على زيت أجود من زيت بذرة القطن وإذا أحرق النوى واكتحل به الانسان سود العين وأنبت هدبها وإذا طبخ وشرب فتت الحصاة واذا احرق يلحم الجروح ، أما طلع النخلة فيحوي داخله حبوب اللقاح فيفيد بعد تصفيته في علاج حالات الالتهاب والنزيف والاسهال والحمى ويحتوي على مواد منشطة للجسم .


التمر غذاء ودواء

تتعدد ألوان التمر وأشكاله وأصنافه ، فمنه التمر الأخضر والأحمر والأصفر والأسود والرملي ومنه الجاف ، التمر ، الرطب ومنه الزغلول ، الأمهات ، السمانى ، العجوة .
وأهم أصنافه في الوطن العربي ( الخلاوي ، الخضراوي ، البرحي ، السكري ، القصبة ، مناخير ،الشراس ، الخلاص ، الساير ، المكتوم ، الزهدي ، الحفناوي ) .
وقد وصف التمر في الطب القديم بأنه مقو للكبد ملين للطبع وأكله على الريق يقتل الديدان ، وهو فاكهه وغذاء ودواء وشراب وحلوى ويحتوي على أملاح الكالسيوم والفوسفور والحديد التي تساعد على تقوية الدم والتخلص من الحموضة الزائدة والسموم المتراكمة في الجسم .
وكشفت الأبحاث المعملية الحديثة عن السر في قوة الإبصار عند سكان الواحات في البلاد العربية وقدرتهم على الرؤية لمسافات بعيدة بعدأن تم التوصل إلى أهمية التمر كقيمة غذائية عالية إذ أنه غني بفيتامين (أ) الذي يحافظ على أنسجة العين ورطوبتها وبريقها ويمنع ضعف الابصار وجفاف مقلة العين ويفيد في سلامة الطبقات الداخلية للعين لأنه يعمل على تكوين الخلايا الملونة في شبكة العين كما يحتوي التمر على أنواع متعددة من السكر كسكر العنب ( الجلوكوز) وسكر الفاكهة(الفركتوز ) وسكر القصب (السكروز) ونسبتها فيالتمر حوالي 70% وهي في التمر سريعة الامتصاص سهلة التمثيل الغذائي وتذهب للدم مباشرة دون حاجة لعمليات هضمية وكيميائية معقدة فالمعدة تستطيع هضم التمر خلال ساعة بينما باقي المواد الغذائية الأخرى تحتاج لما يقرب من ست ساعات ليتم هضمها وامتصاص السكر الموجود فيها .
أما الأثر النفسي للتمر فهو يضفي السكينة على النفوس القلقة المضطربة التي أثرت عليها أعباء الحياة الحديثة اذ أن التمر يساعد على تقليل افراز هرمونات الغدة الدرقية لاحتوائه على فيتامين ( أ) والذى يقلل من كيماويات الجسم الزائدة المسببة للاضطراب النفسي كما انه يحتوي على مجموعة فيتامين (ب) المركب التي تفيد في تقوية الأعصاب وتليين الأوعية الدموية وترطيب الأمعاء وحفظها من الالتهاب والضعف العام . ويفيد التمر في حالات الشلل وهبوط عضلة القلب وفي علاج القرحة المعدية وأمراض الكبد وجفاف الجلد ، ويعد الرطب من أفضل الأغذية للحامل والنفساء والمرضع لاحتوائه على المواد الغذائية في صورة مركزة سهلة الهضم تزيد من القيمة الغذائية في حليب الرضاعة وبالتالي يكسب المولود الصحة والمناعة ضد مختلف الأمراض . واذا اضيف اللبن على التمر كان منأحسن الأغذية وبخاصة لذوي الجهاز الهضمي الضعيف . وتقوم على التمر صناعات مختلفة منها : صناعة عسل التمر ، السكر السائل ، العجوة ، المربى والحلوى ، الخميرة ، الخل ، ويقوم على النوى صناعة الأدوية والأكحال والزيوت . على أثر ذلك اكتسبت النخلة عند العرب مكانة مرموقة فجعلوها رمزاً للشموخ والأصالة والعطاء المتجدد .

الاثنين، 19 يناير 2009

قصص قصيرة




مختارات من المجموعة القصصية "رحيل السنط "


صدرت الطبعة الأولى عن مركز الحضارة العربية – القاهرة 2003م


==============================


ذو العباءة البيضاء



أخذتني غفوة في آخر الليل فرأيته أمامي ، كان قوي البنيان وله هيبة ووقار ، سألني عن حا لى في استحياء ، وعندما رق لحا لى نصحني بألا أكثر من النوم هذه الأيام ، وعدني بالفرج القريب ثم أحكم عباءته البيضاء وخرج مسرعاً .. حكت أم عباس حكايتها على نساء الدار فسخرن منها وعذرنها لكبر سنها !
زينب زوجة الحاج صابر أتاها المخاض بعد أن طال انتظارها لمولود ذكر يخلد ذكرى والده . تجمع حولها نساء القرية وهن يرفعن أكفهن إلى السماء ، وعلى صرخات المولود هللن وكبرن .. قالت زينب إنه سعيد .. نعم سعيد .. أنا لم أسمه بل هو الذي سماه .. جاءني في المنام كأنه ملاك ، أعطاني حبات من التمر ، وشد من أزري وهو يقول : الفرج قريب يا أم سعيد ! تعجبت نساء القرية وهن يضربن كفاً بكف .. قالت أم حسان : ماذا حدث للنساء هذه الأيام ؟
هرولت أم حسان لبيتها ، وكان حسان عائداً لتوه من المدينة ، قبلته وأسرعت تعد له العشاء .. سألته عن أحواله فطمأنها ، وحكى لها ما حدث معه بالأمس قال : داهمني النوم مبكراً فطويت كتبي بجواري وإذا برجل يقف أمامي في شموخ وبينما أسأله عن هويته .. قال ستعرفني قريباً ونصحني بألا أكثر من النوم هذه الأيام ، وأمرني بأن اهتم بأهلي وبينما أنهض فاتحاً عيني وجدت نوراً كثيفاً يملأ الحجرة ! في مثل هذه الأيام من كل عام تنقض الذئاب المفترسة على القرية فيدب في أرجائها الخراب .. قالت أم فارس هجرني النوم منذ ليال عدة ، وإذ بي أسمع صهيلاً لم أسمعه من قبل .. بدا يقترب مني شيئاً فشيئاً ، فتحت النافذة ، رأيته بأم عيني ، فوق فرسه شاهراً سيفه البتار وهو يحصد الذئاب ويدوسها بحوافر فرسه .. وما تبقى منها يعوي ثم يعوي ثم يهرب .. وجدتني أزغرد ثم أزغرد بصوت عال ..
أسرع أهل القرية يهرولون في شجاعة لم يسبق لها مثيل من قبل والذئاب تعوي ثم تهرب والناس يتعقبونها ، قفز من جواده مسرعاً وترك عباءته ولم أره ثانية .. جرى ابني فارس فحمل العباءة البيضاء ثم امتطى صهوة الفرس !
أكتوبر 1996م
­­­
-----------------------------------------------------


كلب حسان

اقتربت منه فهز رأسه مرحباً ، لكنه كان مجهداً هذا الصباح من مطاردة اللصوص ليلاً ، مسحت على رأسه فهز ذيله وبسط ذراعه .. " ولاد الكلب " حاولوا قتلي هذه الليلة .. هكذا قال كلب حسان .. !
تذكر كلب حسان أيام كان صغيراً مع سيده الذي كان يعمل "جنايني " في فيلا الهانم وقال :
بينما أنا داخل " الفيلا" مع عم حسان رأيت الكلب "شوشو " وكان أنيقاً ، كانت تغسله ب"الشامبو" والماء الدافئ بعدها ترش "البارفان " على فروته ، وعندما يأتي موعد الأكل كان "شوشو" يأكل من طبق صيني لا يأكل فيه عم حسان نفسه ، ولكن ما أدهشني وجعلني أغير من "شوشو" أن الهانم تأخذه في حضنها عندما يأتي موعد النوم .
أنا أنام في الشتاء القارس ، وهو ينام في حضن الهانم ، أنا أطارد اللصوص وهو يستأنس اللصوص أنا ....... وهو .........
ما زال كلب حسان يتكلم !
وأنا أنبح بجواره !!
فبراير 1993م

-------------------------------------------
­­­


سر النخيل


تفور الذكريات داخله يعاوده الحنين إلى الماضي ، الأرض التي أخذته في أحضانها منذ نعومة أظفاره فأرضعته من حنانها ، النخيل الذي غرسه مع جده ، كلمات جده المحفورة داخله وهو يوصيه : النخيل يا حازم ، تأمله يا ولدي ! إنه يقاوم من أجل العطاء ، يهبنا خيراته ولا ينتظر منا شيئاً ، حتى عندما يموت .. يموت واقفاً لا ينحني ! تدوي الكلمات داخله يذهب إلى أبيه يستسمحه الجلوس في ظل النخيل ، يسأله عن جده ، حياته ، بطولاته ، هل مات أم استشهد ؟
يحكي عبد العال أنه يتذكر أباه عندما شح النيل عن العطاء فأصاب الناس القحط في إحدى السنوات : كانت صوامع جدك يا حازم مكدسة بالغلال والتمور ، وزعها كلها على أهل البلدة بالتساوي ولم يترك لنا إلا نصيبنا مثلهم .
وعندما سمع بالعدوان الثلاثي نادى في الناس فتطوع معهم في القتال وكنا خلفه نقاتل ، لكنه كان فارساً حتى استشهد وهو قابض على بندقيته .
يصمت عبد العال ثم يمسح على رأس حازم قائلاً :اشتد ساعدك يا ولدي وصرت رجلا تدرك الأمور . أوصيك أن تصون الأرض وتحفظ العرض وتغرس النخيل !
النخيل يا حازم : يجعلك مرفوع الهامة وأنت تنظر إليه و تصعد إلى أعلى وأنت تجني ثماره ! وعندما يقع تصنع منه أسقف البيوت !
تدور عجلة الزمن ويلبي حازم نداء الوطن ، ينطلق مع رفاقه يوم العبور العظيم يقتحمون الحصون وهم يكبرون !
حكى حازم بعد رجوعه رافعاً رأسه أنه سمع جده يكبر معهم ثم يصيح : النخيل يا حازم !

أكتوبر 1993م


----------------------------------------------

­­­

سر اللعنة


كان يسير مع رفاقه يتجولون أرجاء المعبد الفسيح ، يتبادلون التقاط الصور ، لكن اهتمامه كان واضحاً برفيقته التي تلف ذراعها حول خصره بين الحين والآخر ، كانا يتهامسان خلف تمثال رمسيس الثاني ، بينما كنت أمام التمثال .. لم أفهم من كلامهما إلا "شالوم"، وجدتني أدير نفسي للناحية الأخرى ، كان صدرها شبه عار، أما جيبتها فتكاد لا تستر نصفها السفلي .. تظاهرت بأنني لا أنظر إليهما ، لكني عدت أتفحص ملامحهما ونظراتهما الحادة .. ابتسم ابتسامة صفراء وسألني بالعربية وكان فصيحاً :
- مصري ؟
- نعم.
- هل تعرف شيئاً عن لعنة الفراعنة ؟
- لا.
- وأنت يهودي ؟
- أومأ برأسه .. واسمي "حاييم"!
- لماذا لا تسافرون إلى بلدنا ؟!
- بلدكم ! وهل لكم بلد ؟!
- نعم .. نعم .. وعندنا سياحة جذابة ، عندنا شواطئ وفتيات جميلات – وأدار وجهه إلى رفيقته – وعندنا " الأقصى " هل تعرف الأقصى ؟!
- الأقصى ! وهل تسمع عن رجل اسمه " صلاح الدين " ؟
حدق في وجهي طويلاً وبدا واجماًَ ثم أدار وجهه عني منصرفاً بينما الفتاة تنظر خلفها !!
ناديته : حاييم .. انتظر .. الآن فقط عرفت سر اللعنة !
ديسمبر 1993م
­­­
--------------------------------------------
الوجه الآخر

أحسست بتعب وأرق شديدين ، تمددت على السرير ، تغلبت على نفسي فقمت ، خلعت ملابس العمل وارتديت جلبابي ، وبينما أنظر في المرآة لمحت وجهاً غريباً فرحت أتأمله . بصق في وجهي ، اقشعر بدني ، ارتميت على السرير ، غلبني النعاس فإذا به يكتم أنفاسي .. يصرخ :
- بيني وبينك ثأر قديم .
وجدتني أفز .. أصرخ في حالة هيستيرية ضارباً بيدي المرآة ، لم أشعر بشيء إلا ويدي ترتجف واللون الأحمر قد غطى جلبابي الأبيض ،جاءت أمي تهرول في فزع ، بسملت وحوقلت وسقتني بعض الماء وجاءت بقطعة من القماش فربطت يدي وجلست بجواري ، فارقني النوم ، أخذتها غفوة ثم فزعت وهي تصرخ .. هدأت من روعها وأنا أبسمل وأحوقل ثم ناولتها كوب الماء .
مارس 1993م
­­­
---------------------------------------
قصتان في الألوان

(1)
كانت سلمى تدرك الكتابة لكنها تجهل القراءة . جاءت في شغف تبغي التعلم ، وبينما نبدأ الحصة ، نظرت سلمى حولها وقالت : ما هذه الكتب الملونة ؟
قلت : أتقصدين الكتاب الأخضر ؟
قالت : وأيضاً الأبيض والكتاب ..
ولما أوجزت لها المعني قالت : إذن هي كتب سوداء في الزمن الأغبر !
-2-
وبينما نقلب الصفحات في درس السلالات قالت سلمى :سمعت أن الشعوب الصفراء خلقت من عجين ، والشعوب الحمراء والبيضاء خلقت من نار ، أما الشعوب السوداء فخلقت من طين ، وما إن انتهت سلمى من كلامها حتى وجدتني أقهقه ، ثم أقهقه بصوت عال ، حتى سالت مني الدموع كي تخفف من نار الألوان التي اهتاجت داخلي !
مارس 1993م
­­­ ------------------------------------------------------

دائــــــــــرة

كنا صغاراً وكان الكبار يدفعوننا ليصارع بعضنا بعضاً وهم يلفون حولنا دائرة يتفرجون ، وقلما أجدني منتصراً حتى على من هم أصغر مني ، نهرني أبي وعلمني فنون المصارعة ، وكان يصر على أن أشرب حلة اللبن يومياً وأتناول رطل اللحم وحدي ، اشتد ساعدي وعشش الانتقام بداخلي ، وجدتني أدحر أقراني واحداً تلو الآخر ، أصيح وسط الدائرة والكبار يتعجبون من أمري ، أمسكني أحد الكبار ليغلبني ابنه ، لطمته على كتفه ، وقع على الأرض وابنه قدامه وسط الدائرة ، أصبحت فتوة المنطقة ، شاخ أبي وحنى الزمان ظهره فبارت الأرض وهرب اللبن من ضرع الجاموسة فهربت فتوتي مني .. أمشي في النهار تحت الجدران وأخرج في الليالى الحالكة حتى قويت سواعد أبناء المنطقة ، ورجعت أنا كما كنت صغيراً .
مارس 1993م
­­­
------------------------------------

جدتي والحلم

كان جدي صعب الشكيمة ، وكان حكيماً ، يكن أهالي القرية له احتراماً ، ويسمعون كلامه ، كنا صغاراً أنا وأبناء عمي نلعب مع أقراننا عسكر وحرامية وعندما يأتي عمي من العمل يأخذنا إلى البيت الكبير وأنا تحت عباءته وجدتي في انتظارنا ، تنهرني لخروجي وقت الغروب خوفاً من الشياطين ثم تحفظني آية الكرسي ومعي أبناء عمي ، يأتي جدي يرصنا حول المائدة الكبيرة حتى إذا ما حمدنا الله تأتي جدتي وترص النسوة حول المائدة!
في الصيف يجمعنا جدي في البرندة ، يفتح أبي النوافذ البحرية ، كنا نطرب لأحاديث جدي ونصائحه ولقفشات عمي فكان الجيران يضحكون معنا وكثيراً ما نجدهم بيننا ، وفي صبح لن أنساه سمعت صراخاً وعويلاً في البيت وخارجه يقلون إن جدي قد مات .
كنت أسأل عنه كل يوم وأنا أبكي فتقول لي جدتي إنه في الجنة وسوف نقابله يوماً ما !
فأسكت !
دخلت المدرسة ، هجر أعمامي البيت الكبير بعد أن شيدوا بيوتاً من المسلح ، حتى أبي أخذنا في بيت كإخوته ، أبت جدتي أن تترك البيت الكبير ورفضت الكهرباء والمسلح وكنت أتصل بأولاد عمي "بالتليفون " أسبوعياً لنتقابل عند جدتي التي شاخت وعشش الشيب برأسها نسمع منها النصائح ونشم الذكريات ، كانت تحفظنا سورة الفجر ، ونسمعها تقول عن جدي: ( فارس وكان له بين الرجال هيبة .. مين من العيال يرحم الشيبة ) ، فأبكي ومعي أولاد عمي نذهب إلى الحاصل نحس بالدفيء ، نشم رائحة القهوة ، نطلع البرندة تلفحنا نسمة هواء, نسمع قهقهة وضحكات ، نخرج من البيت بعد أن خيم الظلام ، نقرأ آية الكرسي ، انتظر عمي لم يعد يأخذني تحت عباءته ، أعدو إلى بيتنا أبكي ، أفصل الكهرباء عن المنزل ، أجمع إخوتي الصغار حولي فيأتي أبي ينهرني ويسلمنا للنوم ، جاءني جدي في المنام يمسح على رأسي ويقول : ( لازم تجمع الشمل )، أستيقظ في الصباح مفزوعاً خائفاً من أبي وأعمامي .
يونيو 1991م
­­­ ----------------------------------------------

ثلاث حصص
الحصة الأولى :
دخل مدرس الإنجليزي ورسم على السبورة وقال لنا : القط (كات) ، والفأر (رات) ، والكلب (دوج).
كتبنا ورسمنا في الكراس ، رفع أحدنا يده وقال : هل نرسم الفأر بجوار القط ؟
فأجابه الأستاذ : ما دام الكلب جنب الفأر فما على القط إلا الهروب أو السكات !

الحصة الثانية :
كان الأستاذ يحمل الخريطة كعادته ، علقها على السبورة وسألنا :
- من منكم يوضح البقع السوداء ؟
فسأله أحدنا :
- في الجغرافيا يا أستاذ أم في التاريخ ؟
الحصة الثالثة :
هذه آخر حصة اليوم و غداً أجازة !
كتب على السبورة "تربية فنية "
( ارسم بالألوان لوحة فنية لمعركة حربية ).
وتركنا وذهب يعد للحفلة .
رسم بعضنا دبابات وطائرات شبح ، ورسم البعض جنوداً أسرى يقبلون الأرجل
ثم دق جرس الحفلة !
سبتمبر 1992م
­­­
------------------------------------------------

ذلك السر

أرخى الليل سدوله ، كل شيء حولي بات ساكناً ، نباح الكلاب ، نقيق الضفادع ، تلك أصوات مألوفة ، مرت ساعتان بعد منتصف الليل وأنا ما زلت أبحلق في الجدران والسقف ، خطوات آدمية وأنفاس خلف المندرة ، دست على زر اللمبة ، ثم أطفأتها بيد مرتعشة ، نصف ساعة ورأيته في طرقة البيت بجوار النافذة ، دعكت عيني وفتحتهما جيداً ، رأيت نصفه العلوي و"كان عارياً "، وجدتني أفز من مكاني فرآني ، وقف خلف النافذة شاهراً بيده نحوي وكان بها شيء ما ، اقشعر بدني ، أغمضت عيني ، يبدو أنه خائف مثلي ، أحسست بزحف على الأرض ، فتحت عيني ، عاودتني قوة غريبة ، زعقت بأعلى صوتي ، فنزل أبي ، واستيقظ بعض الجيران ، فتحت الباب ، هرول الجميع خلفه ، فأوقفهم أبي وأرسل وابلا من الطلقات من بندقيته فوق رأسه ، تعجب الجيران وأنا : لماذا لم يقتله ؟
ولما تنفس الصبح أيقظت أبي لأعرف السر ، فأخبرني بأنه يعرف اللص ، وأنها ليست أول مرة ، ويجب أن يظل على قيد الحياة وأمرني بان ألزم الصمت !
سبتمبر 1992م
----------------------------------------------------

أبو جبل

كان أهل القرية يلقبونه " أبو قلب حديد " فهو لا يخشي الجن والعفاريت ، يتردد على مزرعته الصغيرة نهاراً وليلاً ، ذات مرة جاءه جن في صورة كلب ، فتارة يرجمه بالحصي وتارة أخري يسد المياه عن الزرع .
استشاط أبو جبل غضباً واحمرت عيناه فحمل فأسه وهوى بها على رأس الجن الكلب فاشتعلت المنطقة نارا وعجت صراخاً ، لم يهرع أهل القرية للإطمئنان على "أبو جبل " ولكنهم استقبلوه استقبال الأبطال عندما عاد وهو يحمل فأسه فوق كتفه !
يناير 1994م
­­­
-----------------------------------------------

لقطات دامية
(1)
خارطة عريضة .. مهشمة المعالم .. كثيرة الحواجز ونجمة داود تتلألأ في منتصفها .
(2)
طائرات مبرمجة تختال في سماء البلاد .. تدك المدن والقرى .
أسفل الصورة : بيوت تتهدم .. أشلاء تتطاير .. نساء يولولن .. وأرض تبكي الرجال ..!

(3)
عربة مصفحة مكتوب عليها UN
خارج العربة : جنود طوال القامة يحتسون الويسكي ..!
(4)
المسجد الأقصى, وقد تغيرت ملامحه يستغيث ! لافتة : يا أرض من أين ستأتي الجيوش ؟!
يونيه 1996م
­­­
-----------------------------------------

وقالت سمكة

الأسماك المسالمة تخشى الاقتراب من أسماك القرش الهائجة التي تبتلع منها أعداداً كبيرة كلما مرت جوارها . القرش يعشق لون الدماء ورائحتها ، وما ان يستشعر بقعة منها حتى يتجمع من كل فج باحثاً عن الفريسة .. كبير القرش ينهل منها ما يكفيه ، ومن بعده يأتي القرش الصغير على بقيتها ، وعندما يسكن البحر يقبل القرش نحو الأسماك يبتلع ما يكفيه منها ، وفي أحد المواسم عم الرخاء فأقبلت الأسماك تملأ بطونها حتى انتعشت .. أسماك القرش الهائجةالتي أصابتها نوبة من الغضب فثارت وعقدت اجتماعاً عاجلاً مطالبة بوضع حد للمهزلة حتى لا تشبع الأسماك وتشم أنفاسها ، وبينما أحدهم يزعق في مجلس القرش ، فتح كبير القرش فمه الواسع وقهقهة بصوت عال وقال : لماذا تثورون أيها الأغبياء ؟ ألا تعلموا أن الأسماك ( المسكينة ) عندما تملأ بطونها يكثر لحمها فتسمن ونحن بدورنا نلاحقها فلا ندعها حتى تختفي داخل بطوننا الواسعة ؟!
***
أقبلت مواسم عجاف والأسماك المسكينة لا تجد ما يسد رمقها حتى أقبلت على الشعاب المرجانية تنحت فيها فلا تجد غير كسر أسنانها الصغيرة . بينما القرش يبتلع ما يقابله من الأسماك الهزيلة ، وقالت سمكة صغيرة في مجلس الأسماك : ما رأيكم لو قمت بتفجير نفسي في موكب كبير القرش لإنقاذكم من الهلاك ؟!
قالت كبيرة الأسماك : إياك والقيام بهذا العمل الفدائي هذه الأيام .. ولا تنسي أن كبير القرش ضخم وقوي وربما ينتقم القرش منا فيثور ثورة لا تبقي من الأسماك ولا تذر ..!
وقال سمكة أخري : وما رأيكم لو نقوم بجميع كمية كبيرة من " الزرنيخ " السام ويقوم فريق من الأسماك الفدائية بابتلاع ما يقدر عليه عند اقتراب موكب القرش ، بينما يقوم فريق آخر بمضايقة كبيرهم . ساعتها سيهجمون علينا فاتحين أفواههم فيسرع الفريق الفدائي باقتحام البطون المظلمة ليختفي داخلها .. وهكذا نتخلص من القرش واحداً تلو الآخر ..!
أبريل 2003م
­­­
------------------------------------------------------

صرخات عربية
(1)
طائرات خفية تصب حممها .. صواريخ" كروز وتوماهوك "المبرمجة تنطلق من فوق المياه والرمال العربية تدك أرجاء الرافدين .. بينما الجنود الغزاة يحرسون منابع النفط ليسلب عبر المياه والرمال العربية إلى ما وراء البحار ..!
(2)
الغزاة يرقصون على مقربة من دخان النيران وهي تلتهم مكتبات بغداد والكوفة والبصرة بينما رماد الكتب والمخطوطات يلعن التتار في كل عصر !
(3)
متحف بغداد يبدو كئيباً ، بينما الجنود الغزاة يقلبون أرجاءه .. وأمام لوحة تاريخية لملك بابل" نبوخذ نصر " وهو يسوق أسرى اليهود بعد تدمير أورشليم وقف القائد (الصهيوصليبي ) يكشر عن أنيابه وأمر جنوده اللصوص بتأديب الملك البابلي !
(4)
صواريخ الأعداء المبرمجة تنطلق من فوق المياه والرمال العربية تدك شارع الرشيد .. كانت أشجار النخيل تتهاوى واقعة والبيوت تنعي أصحابها ، بينما جنود الاحتلال يتعقبون النساء الناجيات من القصف .. أسرع أحدهم فأوقف واحدة ، رفع ثوبها يتحسس فخذيها بينما الآخر خلفها .. كانت المرأة تصرخ بأعلى صوتها : وارشيداه .. وامعتصماه .. من أين سيأتي الرجال؟!
(5)
في شمال البلاد ، قادة الأكراد في موكب مهيب يستقبلون الحاكم ( الصهيوصليبي ) بالقبلات ، وعلى جانبي الموكب تتراقص الفتيات والصبيان على نغمات المزمار البلدي .. وفي ختام الحفل البهيج يجلس ( الحاكم المنتظر ) منفرج الأسارير ، يمسك بمكبرات الصوت .. يلتقط أنفاسه ويبدأ كلمته قائلاً .. شكراً لكم يا أحفاد صلاح الدين الأيوبي !!
أبريل 2003م
­­­
---------------------------------------------------

رحلـــــــــــــــــــــــــة
ضربات المنبه لم تخلف ميعادها معلنة ميلاد يوم جديد ، مددت يدي نحوه فانقطعت ضرباته ، وعلى صوت أمي تصلي الصبح وجدتني أقفز واقفاً أنظر في المنبه ، وتوضأت وانتظرت قليلاً بعد الصلاة ، أخذت نخبة من اللبن الدافئ وقدحاً من الشاي ، سحبت حقيبتي الصغيرة بعد أن ارتديت ملابسي ورحت أركض نحو المدرسة ، بدت على وجوههم فرحة غطت نسمة برد طوبة ، جاء الأتوبيس ، أطلق السائق نفيراً معلناً بدء الرحلة ،أرسلت الشمس خيوطها يجر بعضها بعضاً . عم الدفء الجانب الشرقي من المدينة، وقف التلاميذ صفين في انتظار الدخول ، مجموعة من السياح تهم بدخول المعبد قال أحدهم : ( بونجور) وكان مبتسماً ، دخل مرشد الرحلة ولف التلاميذ حوله دائرة يقرأ أسرار الجدران ، تمثال ملكي يقف في شموخ وبين ركبتيه الزوجة الرسمية وصرح عال منقوش عليه اسمه وصورة الجدار الخلفي للملك والأجداد يحتفلون بالحصاد ، صالة واسعة كثيرة الأساطين الفخمة ، سأل تلميذ عن اختلاف طولها وشكلها الفني فأجابه المرشد لاختلاف الملوك ، وعلى جدارها صورة للملك يضرب الأسرى في (قادش) وهو يركب عربته الخاصة ، ولحقت بنا مجموعة من السياح قال أحدهم ( جود مورننج) . انطلقنا للأمام ، وقف التلاميذ ، قال المرشد : هذا العمود يرمز لزهرة اللوتس والآخر لزهرة البردي والصورة للملك يلبس التاجين على رأسه تأملنا طويلاً ! وتقدمنا خطوات للأمام خلف المرشد ، مجموعة من السياح تدور حول الجعران ، قال المرشد : إنه الملك يقدم النبيذ للإله . تقدمت سائحة وقالت ( بونجور نو ) وناولتني الكاميرا وقعدت قدام الجعران ، ثم أومأت قائلة ( كرتسيه ) . أنهى المرشد الجولة الأولى وصوب الميدان الفسيح توجه الركب ، تبدو الأرض منتشية بالخضرة ، نسمات مفعمة غطت أرجاء المكان ، قعد التلاميذ يتناولون ما خف حمله ، تقدمت سائحة – ترتدي شورت – إلى أحدهم ، أهدته قلماً ، أخرج ورقة ورسم عليها وجهها وأهداها الصورة ، اقتربت مني وقالت : (فوتو بليز) . أخذت لها اللقطة وجاء تلميذ وأخذ لنا لقطة معها وترك نصفها السفلي وقد ظهر المسجد والمعبد في خلفية الصورة ، وكانت الشمس قد قطعت نصف رحلتها اليومية !
توجه الركب إلى مدينة الموتى على الجانب الآخر من المدينة ، أشعة الشمس تراقص سطح النهر ، غرفت حفنة من مياهه أفتش عن السر السرمدي الراقد في جوفه فخرت من يدي ! معبد يحمل اسم الملك وبه صور للإله ومخازن للغلال ، المعبد الآخر معبد الملكة والصورة للمراكب تجوب الشعوب محملة بالغلال والملابس وصورة (لأنوبيس) إله الموتى وعلى الطريق الضيق والشمس تقترب من نهاية رحلتها دخل الركب مقبرة الفرعون الصغير ، ثمة طلاسم على الجدران ومجموعة من القردة قال المرشد عنها ( إيميدوات ) وملك آخر صنع من الموت مفتاحاً يلقن به الملك الميت طقسة الحياة ، أنهى المرشد جولته ولم تنته الرحلة بعد ، وعلى المعاريج الضيقة خرج الركب والتلاميذ يتأملون الشمس خلف الجبل وهي تسحب خلفها ما تبقى من حياة في مدينة الموتى !
يوليو 1995م
­­­
--------------------------------------------------------------


حافة الهاوية

الوجوم كسا الوجوه المسنودة على الأبدان المستلقية على الأرض وقد اتخذت من جذوع الأثل المرصوصة في الساحة الفسيحة مسنداً للظهور العريضة .. نسمات من الهواء البحاري مفعمة برائحة اللبخة القديمة تغطي أرجاء الساحة تكسر من موجة الحر التي خلفتها آثار الشمس الملتهبة .
دس أبو شحات يده اليمنى في جيب الصديري وأخرج علبة الدخان الحديدية ، فتحها والتقط منها دفتر البفرة .. بلل أصبعه السبابة بلسانه وفصل ورقة منه ، حشاها بحبات الدخان ولفها بإبهامه وسبابتيه وسلمها لشفتيه الغليظتين وهم بإشعالها ، بينما عبد العاطي مسترخ إلى جواره تنصهر فى فهمه حبات المدغة المخلوطة بالعطرون فيمد رأسه مخرجاً لسانه كالثعبان ليدفع بالمخلفات الصفراء مكوناً بركة صغيرة أمامه !
موجة من الضحك الجماعي انتابت الأبدان المستلقية على الأرض – كسرت من حاجز الصمت – اقترب رشاد مهرولاً يتصاعد خلفه الغبار بينما الصبيان يتعقبونه بالحصى .. بينما هو يلعن أبو البلد التي لا تحسن تربية صغارها وتتركهم يتسكعون في طرقاتها ، يستبيحون أعراض الناس ، يناديه أبو شحات وهو يخرج علبة الدخان .. يقترب رشاد يلف له سيجارة فيجلس .. يشعلها له فيهدأ . ترتفع موجات متواصلة من الضحك وتهتز الأبدان مع قدوم شعلان حاملاً جوالة البالى خلف ظهره تتساقط منه بقايا أوراق قذرة ومخلفات البيوت يسأله عبد العاطي عما في جواله فيجيبه بصوت عال : هذه زبالتكم يا عالم يا "....." !
ترتفع الضحكات .. يخرج أبو شحات علبة الدخان من جيبه قائلاً : هذه البلدة موعودة بنجومها وكلمها رحل واحد منهم جاء خمسة غيره ، وبينما ترتفع الضحكات وتهتز الأبدان ، ارتفع صوته مدوياً من الشارع الجانبي وهو يبصق على كبار البلد بأسمائهم واحد تلو الآخر .. وعندما اقترب أبو الحمد بجلبابه الممزق من وسط الساحة بصق بصقة مدوية على البلد التي ليس لها هم يشغلها إلا الأكل والنوم والسخرية من خلق الله ، وبينما هو يتوكأ على عصاه الغليظة مختفياً عن الساحة ، انتفض رشاد وشعلان واقفين .. حدقا في الوجوه التي كساها الوجوم ، المسنودة على الأبدان ، المستلقية على الأرض ، وأسرعا خلف أبو الحمد يبصقان بأعلى صوتهما ، والصبيان خلفهما !!
يناير 2002م
­­­ -------------------------------------
الثعالب

تحكي لي جدتي عن جدي أنه غرس أول أشجار هذه الجنينة وصال وجال في جنباتها .. لكن القدر أتاه فجأة فقطفت روحه قبل أن يقطف من ثمارها .. ورغم أنني لم أره إلا أنني كنت أسمع صوته مع شقشقة العصافير وأتخيله في شموخ النخيل وأشم رائحته عند شجرة الحناء ، كنت كثير التردد على جنينة جدي أقضي معظم النهار وغسق الليل فعرفت الكثير عن لغة الطيور وعطاء الشجر ومكر الثعالب التي كانت تتسلل منقضة على الطيور المسالمة التي تعج الجنينة بأنواعها المختلفة ، وكثيراً ما كانت الثعالب تعبث بالثمار والأشجار ، مما دفعني واثنين من أبناء عمي لوضع حد للمهزلة ، فكنا نقبع في أركان الجنينة ساعات نحبس أنفاسنا منبطحين على الأرض خلف ساتر من القش .. أدركنا أن للثعالب لغة خاصة وفنوناً عديدة في المراوغة فما أن تتسلل واحداً تلو الآخر حتى تنتشر في أرجاء الجنينة وفي لحظة واحدة تنقض على الطيور المسالمة وقت الظهيرة فتذبح منها أعداداً غفيرة تلتهم بعضها . وتحمل ما يفيض عن حاجتها فهي لا تأمن الغد ، وكعادته كان يتقدم الثعالب كل أسبوع ثعلب قليل الشعر طويل الذيل ، يبدو أن المكر والدهاء قد أكلا من جسده النحيل ، أدركنا أنه كبيرهم ، كان يقف بين الأشجار بينما تلتف حوله الثعالب في شبه دائرة مصغية لأوامره ، تارة يختلفون وأخرى يتفقون ، يختلفون في حمل الغنيمة فكل منهم يريد أن يظفر بها وحده رغم صغر حجمه .. ولكنهم يتفقون في خراب الجنينة وتركها خاوية على عروشها ، لم نحتمل الوضع طويلاً فقد دب الخراب في أركانها ولم نعد نسمع إلا خواء الثعالب ونعيق البوم . قال أحدنا : لقد ضحينا بحصاد عام من أجل إنقاذ الجنينة وقد حان الوقت للتخلص من الثعالب . وعرض خطته .. !
قال الثاني : بل يكفي القضاء على كبيرهم فقط .
قلت : لن نستطيع قتلهم جميعاً ولكن يكفي الإمساك بأحدهم وتعليقه وسط الجنينة . وفي النهاية قرر ثلاثتنا التخلص من كبيرهم ليكون عبرة لكل الثعالب ، وما هي إلا ساعات حتى حددنا موقعه الذي اعتاد الوقوف فوقه وانتهينا من الحفرة الضيقة العميقة ، كانت الشبكة محكمة داخل الحفرة المغطاة بالقش وأوراق الأشجار وريش الطيور .. اتخذ كل منا موقعه وبينما جموع الثعالب تأخذ أماكنها كان يبدو عليه الأرق والضيق ، انتفض قليلاً وهز ذيله الطويل وما هي إلا لحظات وامتلأت الجنينة بالغبار وخواء الثعالب وقفزاتها هنا هناك .. قفزنا مرة واحدة ، أمسك أحدنا طرف الشبكة بإحكام سحبناها لأعلى كان راقداً داخلها بلا حراك ، ظن ثلاثتنا أنه لفظ أنفاسه الأخيرة من هول الصدمة ، فقد كان مفتوح العينين ، عديم الحركة ، متصلب الجسم ، عفن الرائحة .. يا إلهي أهكذا تموت الثعالب ؟ قال أحدنا .
قال الثاني : يجب قطع رأسه فوراً .. قلت : بل نعلقه هكذا .. ازدادت الرائحة الكريهة .. وبينما نهم بإخراجه من الشبكة انتفض .. وقفز بسرعة البرق .. وقفنا بلا حراك نمضغ الغيط بينما هو أمامنا يزوغ عن البصر ..!
مايو 1993م
­­­
-------------------------------------------------------

رحيل السنط

أدور يميناً ويسارأً ، أبحث عنه عند أشجار السنط المتراصة على جانبي الطريق الصحراوي ، وبينما أنا واقف هناك عند كوبري القرية ، سمعت ضربات فأسه ترتطم بفروع السنط .. كان معلقاً في قلب الشجرة يصارع فروعها فتتهاوى من تحته .
( كنا صغاراً وسالم ابن سعد الله يتسلق فروع السنط البعيدة يرمي " بالقرض " فنقوم بجمعه في حجورنا الضيقة لنبيعه بالكيلة للحاج عبد العاطي .. نتقاسم القروش القليلة لنشتري الحمص والحلاوة المطاطة ، ونلهو في أفراح القرية ).
اقترب منه: كيف حالك يا عم عبد الهادي ؟
- الحمد لله .
هبط إلى أسفل .. ثم قفز على الأرض يلملم فروع السنط ليعيد تقطيعها ..
- أتوبيس المدينة المهترىء يبدو قادماً .. اقترب من الطريق الصحراوي وأنا أشاور بيدي فيقف .. أجري خلفه .. أصعد .. أمر بين الجالسين .. الوجوه تبدو عابسة ما زال بعضها يقاوم آثار النوم .. ألمح مكاناً ضيقاً على المقعد الأخير .. أقترب منه ، أرمق أحد الجالسين بنظرة فيفسح لي ، أجلس بجواره .. أخرج زفيراً طويلاً ..
( ما زلت كما أنت يا عم عبد الهادي تقاوم كأشجار السنط وأقرانك هجروا القرية .. بعضهم رحل إلى المدينة يعمل في مصانعها والبعض الآخر هاجر لبلاد النفط ، وتنكروا لأيام السنط عندما كانوا يتسلقونه يجمعون "القرض" و" الصمغ" ويقطعون فروعه الصغيرة يخزنونها للشتاء القارس ، الجاموس لم يعد يرعى في بقايا الحقول ويرجع في الظهيرة يلقي بجسمه الضخم في حضن الترعة الحنون تحت شجر السنط . والأولاد ينهشون اللقيمات المحشوة بالجبن وأوراق الحلبة ، تحت فروع السنط المتشابكة .. العصافير الملونة هجرت الأشجار ولم تعد تصدح فوقها .. أقرانك عادوا يشيدون المنازل العإلية ويعلقون فوقها أطباق "الدش" العريضة ، يسهرون حتى الصباح أمام " التلفاز"
وأنت كما أنت تصارع فروع السنط بجلبابك القطني الممزق ، وما زلت تعيش وحدك في بيتك الصغير الذي يشبه عشة الطيور ، تحمل البلاص على كتفك تملؤه من النيل البعيد ثم تعود تعرج بقدميك الحافيتين ، أربعون عاماً وأنت تحتطب .. تفترش "طريق السوق " تبيع حزمات الحطب لأهإلى القرية يقاومون بها برودة الشتاء) .
ذات مرة دفع له أحد الميسورين من أهإلي القرية عشرة جنيهات في حزمتي حطب ولكنه أقسم أنه لن يأخذ إلا حقه ورد له خمسة جنيهات .. أقبل على دكان (مسعود) فاشترى كيلو سكر و"تمنة"شاي صغيرة وأخذ يركض إلى بيته الصغير .
قدم (رفاعي بن حمدان ) من الخارج فأقبل على خاله يلح علبه ليهدم له بيته ويعيد بناءه ولكنه توسل إليه أن يدعه على حاله .
جاءني ابن حمدان وهو يحمل كيساً كبيراً به بطانية (جلد نمر) وصرة صغيرة داخلها قطعة صوف وقطعة شاش وباكو شاي سيلان خشن .. طرقنا بابه الصغير ففتح لنا مرحباً .. وأسرع إلى كنكة الشاي السوداء يغسلها ويملؤها بالماء .. أقبل ناحية (وابور الجاز) وقعد يتمتم مع نفسه .. اقترب مني ابن حمدان وهو يهمس لي : من أين نبدأ ..؟
فشلت محاولاتنا وأعيتنا الحيل في إقناعه بقبول الهدية ، لكننا نجحنا في إقناعه بشرائها بعشرة جنيهات حملنا بها حطباً .. كانت فرحتنا كبيرة لأنه سيرتدي جلباباً من الصوف ويتغطي ببطانية (جلد نمر) بدلاً من لحافه الذي أكلته (القرضة) فجعلته كالشبكة .
رحت أبحث عنه في الصباح فلم أسمع ضربات فأسه ولم أر أي أثر لفروع السنط .. في آخر النهار رحت أهرول ناحية بيته .. كان هناك جمع غفير من أهالي القرية . اقتربت من ابن حمدان فوجدته غارقاً في دموعه .
أبريل 2000م
­­­